﴿ أَفَمِنْ هَـاذَا الْحَدِيثِ ﴾ [النجم : ٥٩] أي القرآن ﴿ تَعْجَبُونَ ﴾ إنكاراً ﴿ وَتَضْحَكُونَ ﴾ استهزاء ﴿ وَلا تَبْكُونَ ﴾ [النجم : ٦٠] خشوعاً ﴿ وَأَنتُمْ سَـامِدُونَ ﴾ [النجم : ٦١] غافلون أو لاهون لاعبون، وكانوا إذا سمعوا القرآن عارضوه بالغناء ليشغلوا الناس عن استماعه ﴿ فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا ﴾ [النجم : ٦٢] أي فاسجدوا لله واعبدوه ولا تعبدوا الآلهة.
٢٩٥
سورة القمر
خمس وخمسون آية مكية

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ ﴾ [القمر : ١] قربت القيامة ﴿ وَانشَقَّ الْقَمَرُ ﴾ [القمر : ١] نصفين.
وقرىء ﴿ وَقَدْ ﴾ أي اقتربت الساعة وقد حصل من آيات اقترابها أن القمر قد انشق كما تقول : أقبل الأمير وقد جاء المبشر بقدومه.
قال ابن مسعود رضي الله عنه : رأيت حراء بين فلقتي القمر.
وقيل : معناه ينشق يوم القيامة.
والجمهور على الأول وهو المروي في الصحيحين.
ولا يقال لو انشق لما خفي على أهل الأقطار ولو ظهر عندهم لنقلوه متواتراً لأن الطباع جبلت على نشر العجائب لأنه يجوز أن يحجبه الله عنهم بغيم ﴿ الْقَمَرُ * وَإِن يَرَوْا ﴾ [القمر : ٢] يعني أهل مكة ﴿ ءَايَةً ﴾ تدل على صدق محمد صلى الله عليه وسلّم ﴿ يُعْرِضُوا ﴾ عن الإيمان به ﴿ وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ ﴾ [القمر : ٢] محكم قوي من المرة القوة أو دائم مطرد أو مار ذاهب يزول ولا يبقى
٢٩٦
﴿ وَكَذَّبُوا ﴾ النبي صلى الله عليه وسلّم ﴿ وَاتَّبَعُوا أَهْوَآءَهُمْ ﴾ [محمد : ١٤] وما زين لهم الشيطان من دفع الحق بعد ظهوره ﴿ وَكُلُّ أَمْرٍ ﴾ [القمر : ٣] وعدهم الله ﴿ مُّسْتَقِرٌّ ﴾ كائن في وقته.
وقيل : كل ما قدر واقع.
وقيل : كل أمر من أمرهم واقع مستقر أي سيثبت ويستقر عند ظهور العقاب والثواب ﴿ وَلَقَدْ جَآءَهُم ﴾ [النحل : ١١٣] أهل مكة ﴿ مِّنَ الانابَآءِ ﴾ [القمر : ٤] من القرآن المودع أنباء القرون الخالية أو أنباء الآخرة وما وصف من عذاب الكفار ﴿ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ ﴾ [القمر : ٤] ازدجار عن الكفر.
تقول : زجرته وازدجرته أي منعته وأصله ازتجر ولكن التاء إذا وقعت بعد زاي ساكنة أبدلت دالاً لأن التاء حرف مهموس والزاي حرف مجهور، فأبدل من التاء حرف مجهور وهو الدال ليتناسبا وهذا في آخر كتاب سيبويه ﴿ حِكْمَةُ ﴾ بدل من " ما " أو على " هو حكمة " ﴿ بَـالِغَةٌ ﴾ نهاية الصواب أو بالغة من الله إليهم ﴿ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ ﴾ " ما " نفي و ﴿ النُّذُرُ ﴾ جمع نذير وهم الرسل أو المنذر به أو النذر مصدر بمعنى الإنذار.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٩٦
﴿ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ ﴾ [الصافات : ١٧٤] لعلمك أن الإنذار لا يغني فيهم.
نصب ﴿ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ ﴾ بـ ﴿ يَخْرُجُونَ ﴾ أو بإضمار اذكر.
﴿ الدَّاعِىَ ﴾، ﴿ يَوْمَـاـاِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِىَ لا عِوَجَ لَهُا وَخَشَعَتِ الاصْوَاتُ لِلرَّحْمَـانِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا ﴾ سهل ويعقوب ومكي فيهما، وافق مدني وأبو عمرو في الوصل، ومن أسقط الياء اكتفى بالكسرة عنها.
وحذف الواو من ﴿ يَدْعُ ﴾ في الكتابة لمتابعة اللفظ، والداعي إسرافيل عليه السلام ﴿ إِلَى شَىْءٍ نُّكُرٍ ﴾ [القمر : ٦] منكر فظيع تنكره النفوس لأنها لم تعهد بمثلة وهو هول القيامة ﴿ نُّكُرٍ ﴾ بالتخفيف : مكي ﴿ خُشَّعًا أَبْصَـارُهُمْ ﴾ [القمر : ٧] ﴿ خُشَّعًا ﴾ عراقي غير عاصمٍ وهو حال من الخارجين وهو فعل للأبصار، وذكر كما تقول يخشع أبصارهم غيرهم خشعاً على يخشعن أبصارهم وهي لغة من يقول " أكلوني البراغيث ".
ويجوز أن يكون في ﴿ خُشَّعًا ﴾ ضميرهم وتقع ﴿ أَبْصَـارُهُمْ ﴾ بدلاً عنه، وخشوع الأبصار كناية عن الذلة لأن ذلة الذليل وعزة العزيز
٢٩٧
تظهران في عيونهما ﴿ يَخْرُجُونَ مِنَ الاجْدَاثِ ﴾ [المعارج : ٤٣] من القبور ﴿ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ ﴾ [القمر : ٧] في كثرتهم وتفرقهم في كل جهة.
والجراد مثل في الكثرة والتموج يقال في الجيش الكثير المائج بعضه في بعض جاءوا كالجراد ﴿ مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ ﴾ [القمر : ٨] مسرعين مادي أعناقهم إليه ﴿ يَقُولُ الْكَـافِرُونَ هَـاذَا يَوْمٌ عَسِرٌ ﴾ [القمر : ٨] صعب شديد.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٩٦


الصفحة التالية
Icon