﴿ إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِى ضَلَـالٍ ﴾ [القمر : ٤٧] عن الحق في الدنيا ﴿ وَسُعُرٍ ﴾ ونيران في الآخرة أو في هلاك ونيران ﴿ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى النَّارِ ﴾ [القمر : ٤٨] يجرون فيها ﴿ عَلَى وُجُوهِهِمْ ﴾ [القمر : ٤٨] ويقال لهم ﴿ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ ﴾ [القمر : ٤٨] كقولك " وجد مس الحمى وذاق طعم الضرب " لأن النار إذا أصابتهم بحرها فكأنها تمسهم مساً بذلك.
و ﴿ سَقَرَ ﴾ غير منصرف للتأنيث والتعريف لأنها علم لجهنم من سقرته النار إذا لوحته ﴿ إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَـاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر : ٤٩] كل منصوب بفعل مضمر يفسره الظاهر، وقرىء بالرفع شاذاً والنصب أولى لأنه لو رفع لأمكن أن يكون ﴿ خَلَقْنَـاهُ ﴾ في موضع الجبر وصفاً لـ ﴿ شَىْءٍ ﴾ ويكون الخبر ﴿ بِقَدَرٍ ﴾ وتقديره : إنا كل شيء مخلوق لنا كائن بقدر، ويحتمل أن يكون ﴿ خَلَقْنَـاهُ ﴾ هو الخبر وتقديره : إنا كل شيء مخلوق لنا بقدر، فلما تردد الأمر في الرفع عدل إلى النصب وتقديره.
إنا خلقنا كل شيء بقدر فيكون الخلق عاماً لكل شيء وهو المراد بالآية.
ولا يجوز في النصب أن يكون ﴿ خَلَقْنَـاهُ ﴾ صفة لـ ﴿ شَىْءٍ ﴾ لأنه تفسير الناصب والصفة لا تعمل في الموصوف.
والقدر والقدر التقدير أي بتقدير سابق أو خلقنا كل شيء مقدراً محكماً مرتباً على حسب ما اقتضته الحكمة، أو مقدراً مكتوباً في اللوح معلوماً قبل كونه قد علمنا حاله وزمانه.
قال أبو هريرة : جاء مشركو قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلّم يخاصمونه في القدر فنزلت الآية، وكان عمر يحلف أنها نزلت في القدرية ﴿ وَمَآ أَمْرُنَآ إِلا وَاحِدَةٌ ﴾ [القمر : ٥٠] إلا كلمة واحدة أي وما أمرنا لشيء نريد تكوينه إلا أن نقول له كن فيكون ﴿ كَلَمْح بِالْبَصَرِ ﴾ [القمر : ٥٠] على قدر ما يلمح أحدكم ببصره.
وقيل : المراد بأمرنا القيامة كقوله ﴿ وَمَآ أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ ﴾ [النحل : ٧٧] (النمل : ٧٧).
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٠٤
﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَآ أَشْيَاعَكُمْ ﴾ [القمر : ٥١] أشباهكم في الكفر من الأمم ﴿ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ﴾ [القمر : ١٥] متعظ
٣٠٤
﴿ وَكُلُّ شَىْءٍ فَعَلُوهُ ﴾ [القمر : ٥٢] أي أولئك الكفار أي وكل شيء مفعول لهم ثابت ﴿ فِى الزُّبُرِ ﴾ [القمر : ٤٣] في دواوين الحفظة فـ ﴿ فَعَلُوهُ ﴾ في موضع جر نعت لـ ﴿ شَىْءٍ ﴾ و ﴿ فِى الزُّبُرِ ﴾ [القمر : ٤٣]خبر لـ ﴿ كُلُّ ﴾ ﴿ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ ﴾ [القمر : ٥٣] من الأعمال ومن كل ما هو كائن ﴿ مُّسْتَطَرٌ ﴾ مسطور في اللوح ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّـاتٍ وَنَهَرٍ ﴾ [القمر : ٥٤] وأنهار اكتفى باسم الجنس وقيل : هو السعة والضياء ومنه النهار ﴿ فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ ﴾ [القمر : ٥٥] في مكان مرضي ﴿ عِندَ مَلِيكٍ ﴾ [القمر : ٥٥] عندية منزلة وكرامة لا مسافة ومماسة ﴿ مُّقْتَدِرٍ ﴾ قادر.
وفائدة التنكير فيهما أن يعلم أن لا شيء إلا هو تحت ملكه وقدرته
٣٠٥
سورة الرحمن
مكية وهي ست وسبعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْءَانَ * خَلَقَ الانسَـانَ ﴾ أي الجنس أو آدم أو محمداً عليهما السلام ﴿ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ [الرحمن : ٤] عدّد الله عز وجل آلاءه فأراد أن يقدم أول شيء ما هو أسبق قدماً من ضروب آلائه وصنوف نعمائه وهي نعمة الدين، فقدّم من نعمة الدين ما هو سنام في أعلى مراتبها وأقصى مراقيها وهو إنعامه بالقرآن وتنزيله وتعليمه لأنه أعظم وحي الله رتبة وأعلاه منزلة وأحسنه في أبواب الدين أثراً، وهو سنام الكتب السماوية ومصداقها والعيار عليها، وأخر ذكر خلق الإنسان عن ذكره، ثم أتبعه إياه ليعلم أنه إنما خلقه للدين وليحيط علماً بوحيه وكتبه، وقدم ما خلق الإنسان من أجله عليه، ثم ذكر ما تميز به من سائر الحيوان من البيان وهو المنطق الفصيح
٣٠٦
المعرب عما في الضمير.
و ﴿ الرَّحْمَـانُ ﴾ مبتدأ وهذه الأفعال مع ضمائرها أخبار مترادفة، وإخلاؤها من العاطف لمجيئها على نمط التعديد كما تقول : زيد أغناك بعد فقر أعزك بعد ذل كثرك بعد قلة فعل بك ما لم يفعل أحد بأحد فما تنكر من إحسانه؟.


الصفحة التالية
Icon