﴿ فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ ﴾ أي خيرات فخفقت وقرىء خيّرات على الأصل، والمعنى فاضلات الأخلاق حسان الخلق ﴿ فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِى الْخِيَامِ ﴾ أي مخدرات يقال : امرأة قصيرة ومقصورة أي مخدرة.
قيل : الخيام من الدر المجوف ﴿ فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَآنٌّ * فَبِأَىِّ ﴾ قبل أصحاب الجنتين ودل عليهم ذكر الجنتين ﴿ فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُتَّكِـاِينَ ﴾ نصب على الاختصاص ﴿ عَلَى رَفْرَفٍ ﴾ [الرحمن : ٧٦] هو كل ثوب عريض وقيل الوسائد ﴿ خُضْرٍ وَعَبْقَرِىٍّ حِسَانٍ ﴾ [الرحمن : ٧٦] ديباج أو طنافس ﴿ فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ وإنما تقاصرت صفات هاتين الجنتين عن الأوليين حتى قيل ﴿ وَمِن دُونِهِمَا ﴾ [الرحمن : ٦٢] لأن ﴿ مُدْهَآمَّتَانِ ﴾ دون ﴿ ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ ﴾ [الرحمن : ٤٨] و ﴿ نَضَّاخَتَانِ ﴾ دون ﴿ تَجْرِيَانِ ﴾ و ﴿ فَـاكِهَةٍ ﴾ دون كل فاكهة وكذلك صفة الحور والمتكأ ﴿ تَبَـارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِى الْجَلَـالِ ﴾ [الرحمن : ٧٨] ذي العظمة.
﴿ ذُو الْجَلَـالِ ﴾ [الرحمن : ٢٧]شامي صفة للاسم ﴿ وَالاكْرَامِ ﴾ لأوليائه بالإنعام.
٣١٥
روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلّم قرأ سورة الرحمن فقال : مالي أراكم سكوتاً، الجن كانوا أحسن منكم رداً ما أتيت على قول الله ﴿ فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ إلا قالوا : ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد ولك الشكر.
وكررت هذه الآية في هذه السورة إحدى وثلاثين مرة، ذكر ثمانية منها عقب آيات فيها تعداد عجائب خلق الله وبدائع صنعه ومبدأ الخلق ومعادهم، ثم سبعة منها عقب آيات فيها ذكر النار وشدائدها على عدد أبواب جهنم، وبعد هذه السبعة ثمانية في وصف الجنتين وأهلهما على عدد أبواب الجنة، وثمانية أخرى بعدها للجنتين اللتين دونهما، فمن اعتقد الثمانية الأولى وعمل بموجبها فتحت له أبواب الجنة وأغلقت عنه أبواب جهنم.
٣١٦
سورة الواقعة
سبع وتسعون آية مدنية

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ﴾ [الواقعة : ١] قامت القيامة.
وقيل : وصفت بالوقوع لأنها تقع لا محالة فكأنه قيل : إذا وقعت الواقعة التي لا بد من وقوعها.
ووقوع الأمر نزوله يقال : وقع ما كنت أتوقعه أي نزل ما كنت أترقب نزوله.
وانتصاب ﴿ إِذَا ﴾ بإضمار " اذكر " ﴿ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ ﴾ [الواقعة : ٢] نفس كاذبة أي لا تكون حين تقع نفس تكذب على الله وتكذب في تكذيب الغيب لأن كل نفس حينئذ مؤمنة صادقة مصدقة، وأكثر النفوس اليوم كواذب مكذبات.
واللام مثلها في قوله تعالى :﴿ يَقُولُ يَـالَيْتَنِ قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى ﴾ (الفجر : ٨٢) ﴿ خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ ﴾ [الواقعة : ٣] أي هي خافضة رافعة ترفع أقواماً وتضع آخرين ﴿ إِذَا رُجَّتِ الارْضُ رَجًّا ﴾ [الواقعة : ٤] حركت تحريكاً شديداً حتى ينهدم كل شيء فوقها من جبل وبناء، وهو بدل من ﴿ إِذَا وَقَعَتِ ﴾ [الواقعة : ١]، ويجوز أن ينتصب بـ ﴿ خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ ﴾ [الواقعة : ٣] أي تخفض وترفع وقت رجّ الأرض وبسّ الجبال ﴿ وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا ﴾ [الواقعة : ٥] وفتتت حتى تعود كالسويق أو سيقت من بس الغنم
٣١٧
إذا ساقها كقوله :﴿ وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ ﴾ [النبأ : ٢٠] (النبأ : ٠٢) ﴿ فَكَانَتْ هَبَآءً ﴾ [الواقعة : ٦] غباراً ﴿ مُّنابَثًّا ﴾ متفرقاً ﴿ وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ﴾ [الواقعة : ٧] أصنافاً يقال للأصناف التي بعضها من بعض أو يذكر بعضها من بعض أزواج ﴿ ثَلَـاثَةً ﴾ صنفان في الجنة وصنف في النار.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١٧


الصفحة التالية
Icon