﴿ فَذَرْهُمْ ﴾ فدع المكذبين ﴿ يَخُوضُوا ﴾ في باطلهم ﴿ وَيَلْعَبُوا ﴾ في دنياهم ﴿ حَتَّى يُلَـاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِى يُوعَدُونَ ﴾ [الزخرف : ٨٣] فيه العذاب ﴿ يَوْمَ ﴾ بدل من ﴿ يَوْمَهُمُ ﴾ ﴿ يَخْرُجُونَ ﴾ بفتح الياء وضم الراء : سوى الأعشى ﴿ مِنَ الاجْدَاثِ ﴾ [المعارج : ٤٣] القبور ﴿ سِرَاعًا ﴾ جمع سريع حال أي إلى الداعي ﴿ كَأَنَّهُمْ ﴾ حال ﴿ إِلَى نُصُبٍ ﴾ [المعارج : ٤٣] شامي وحفص وسهل ﴿ نُصُبٍ ﴾ المفضل.
﴿ نُصُبٍ ﴾ غيرهم وهو كل ما نصب وعبد من دون الله ﴿ يُوفِضُونَ ﴾ يسرعون ﴿ خَـاشِعَةً ﴾ حال من ضمير ﴿ يَخْرُجُونَ ﴾ أي ذليلة ﴿ أَبْصَـارُهُمْ ﴾ يعني لا يرفعونها لذلتهم ﴿ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ﴾ [المعارج : ٤٤] يغشاهم هوان ﴿ ذَالِكَ الْيَوْمُ الَّذِى كَانُوا يُوعَدُونَ ﴾ [المعارج : ٤٤] في الدنيا وهم يكذبون به.
٤٣٠
سورة نوح عليه السلام
مكية وهي ثمان وعشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ إِنَّآ أَرْسَلْنَا نُوحًا ﴾ [نوح : ١] قيل : معناه بالسريانية الساكن ﴿ إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ ﴾ [نوح : ١] خوّف أصله بأن أنذر فحذف الجار وأوصل الفعل.
ومحله عند الخليل جر، وعند غيره نصب، أو " أن " مفسرة بمعنى " أي " لأن في الإرسال معنى القول ﴿ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [نوح : ١] عذاب الآخرة أو الطوفان ﴿ قَالَ يَـاقَوْمِ ﴾ [يس : ٢٠] أضافهم إلى نفسه إظهاراً للشفقة ﴿ إِنِّى لَكُمْ نَذِيرٌ ﴾ [هود : ٢٥] مخوف ﴿ مُّبِينٌ ﴾ أبين لكم رسالة الله بلغة تعرفونها ﴿ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ﴾ [المائدة : ١١٧] وحدوه و " أن " هذه نحو ﴿ أَنْ أَنذِرْ ﴾ [نوح : ١] في الوجهين ﴿ وَاتَّقُوهُ ﴾ واحذروا عصيانه ﴿ وَأَطِيعُونِ ﴾ فيما آمركم به وأنهاكم عنه، وإنما اضافه إلى نفسه لأن الطاعة قد تكون لغير الله تعالى بخلاف العبادة ﴿ يَغْفِرْ لَكُم ﴾ [الصف : ١٢] جواب الأمر ﴿ مِّن ذُنُوبِكُمْ ﴾ [إبراهيم : ١٠] للبيان كقوله :﴿ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الاوْثَـانِ ﴾ [الحج : ٣٠] (الحج : ٠٣).
أو للتبعيض لأن ما يكون بينه وبين الخلق يؤاخذ به بعد الإسلام
٤٣١
كالقصاص وغيره كذا في شرح التأويلات.
﴿ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ [نوح : ٤] وهو وقت موتكم ﴿ إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ ﴾ [نوح : ٤] أي الموت ﴿ إِذَا جَآءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [نوح : ٤] أي لو كنتم تعلمون ما يحل بكم من الندامة عند انقضاء أجلكم لآمنتم.
قيل : إن الله تعالى قضى مثلاً أن قوم نوح إن آمنوا عمرهم ألف سنة وإن لم يؤمنوا أهلكهم على رأس تسعمائة، فقيل لهم : آمنوا يؤخركم إلى أجل مسمى أي تبلغوا ألف سنة، ثم أخبر أن الأجل إذا جاء لا يؤخر كما يؤخر هذا الوقت.
وقيل : إنهم كانوا يخافون على أنفسهم الإهلاك من قومهم بإيمانهم وإجابتهم لنوح عليه السلام، فكأنه عليه السلام أمّنهم من ذلك ووعدهم أنهم بإيمانهم يبقون إلى الأجل الذي ضرب لهم لو لم يؤمنوا أي أنكم إن أسلمتم بقيتم إلى أجل مسمى آمنين من عدوكم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٣١
﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّى دَعَوْتُ قَوْمِى لَيْلا وَنَهَارًا ﴾ [نوح : ٥] دائباً بلا فتور ﴿ فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآءِى إِلا فِرَارًا ﴾ عن طاعتك، ونسب ذلك إلى دعائه لحصوله عنده وإن لم يكن الدعاء سبباً للفرار في الحقيقة وهو كقوله :﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ ﴾ [التوبة : ١٢٥] (التوبة : ٥٢١).
والقرآن لا يكون سبباً لزيادة الرجس وكان الرجل يذهب بابنه إلى نوح عليه السلام فيقول : احذر هذا فلا يغرنك فإن أبي قد وصاني به ﴿ وَإِنِّى كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ ﴾ [نوح : ٧] إلى الإيمان بك ﴿ لِتَغْفِرَ لَهُمْ ﴾ [نوح : ٧] أي ليؤمنوا فتغفر لهم فاكتفى بذكر المسبب ﴿ جَعَلُوا أَصَـابِعَهُمْ فِى ءَاذَانِهِمْ ﴾ سدوا مسامعهم لئلا يسمعوا كلامي ﴿ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ ﴾ [نوح : ٧] وتغطوا بثيابهم لئلا يبصرون كراهة النظر إلى وجه من ينصحهم في دين الله ﴿ وَأَصَرُّوا ﴾ وأقاموا على كفرهم ﴿ وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ﴾ [نوح : ٧] وتعظموا عن إجابتي، وذكر المصدر دليل على فرط استكبارهم.


الصفحة التالية
Icon