﴿ وَقَدْ أَضَلُّوا ﴾ [نوح : ٢٤] أي الأصنام كقوله ﴿ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ ﴾ [إبراهيم : ٣٦] (ابراهيم : ٦٣) ﴿ كَثِيرًا ﴾ من الناس أو الرؤساء ﴿ وَلا تَزِدِ الظَّـالِمِينَ ﴾ [نوح : ٢٨] عطف على ﴿ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِى ﴾ [نوح : ٢١] على حكاية كلام نوح عليه السلام بعد ﴿ قَالَ ﴾ وبعد الواو النائبة عنه، ومعناه قال رب إنهم عصوني وقال لا تزد الظالمين أي قال هذين القولين وهما في محل النصب لأنهما مفعولاً ﴿ قَالَ ﴾ ﴿ إِلا ضَلَـالا ﴾ [نوح : ٢٤] هلاكاً كقوله ﴿ وَلا تَزِدِ الظَّـالِمِينَ إِلا تَبَارَا ﴾ [نوح : ٢٨] ﴿ مِّمَّا خَطِياـاَـاتِهِمْ ﴾ [نوح : ٢٥] ﴿ خَطَـايَـاهُم ﴾ أبو عمرو أي ذنوبهم ﴿ أُغْرِقُوا ﴾ بالطوفان ﴿ فَأُدْخِلُوا نَارًا ﴾ [نوح : ٢٥] عظيمة وتقديم ﴿ مِّمَّا خَطِياـاَـاتِهِمْ ﴾ [نوح : ٢٥] لبيان أن لم يكن إغراقهم بالطوفان وإدخالهم في النيران إلا من أجل خطيئاتهم.
وأكد هذا المعنى بزيادة " ما " وكفى بها مزجرة لمرتكب الخطايا، فإن كفر قوم نوح كان واحدة من خطيئاتهم، وإن كانت كبراهن والفاء في ﴿ فَأُدْخِلُوا ﴾ للإيذان بأنهم عذبوا بالإحراق عقيب الإغراق فيكون دليلاً على إثبات عذاب القبر ﴿ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا ﴾ [نوح : ٢٥] ينصرونهم ويمنعونهم من عذاب الله.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٣١
﴿ وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الارْضِ مِنَ الْكَـافِرِينَ دَيَّارًا ﴾ [نوح : ٢٦] أي أحداً يدور في الأرض وهو فيعال من الدور وهو من الأسماء المستعملة في النفي العام ﴿ إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ ﴾ [نوح : ٢٧] ولا تهلكهم ﴿ يُضِلُّوا عِبَادَكَ ﴾ [نوح : ٢٧] يدعوهم إلى الضلال ﴿ وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارًا ﴾ [نوح : ٢٧] إلا من إذا بلغ فجر وكفر وإنما قال ذلك لأن الله تعالى أخبره بقوله :﴿ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلا مَن قَدْ ءَامَنَ ﴾ [هود : ٣٦] (هود : ٦٣) ﴿ رَّبِّ اغْفِرْ لِى وَلِوَالِدَىَّ ﴾ [نوح : ٢٨] وكانا مسلمين واسم أبيه لمك، واسم أمه شمخاء، وقيل : هما آدم وحواء وقرىء يريد ساماً وحاماً ﴿ وَلِوَالِدَىَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِىَ ﴾ [نوح : ٢٨] منزلي أو مسجدي أو سفينتي ﴿ مُؤْمِنًا ﴾ لأنه علم أن من دخل بيته مؤمناً لا يعود إلى الكفر ﴿ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ ﴾ [محمد : ١٩] إلى يوم القيامة.
خص أولاً من يتصل به لأنهم أولى وأحق بدعائه، ثم عم المؤمنين والمؤمنات ﴿ وَلا تَزِدِ الظَّـالِمِينَ ﴾ [نوح : ٢٨] أي الكافرين ﴿ إِلا تَبَارَا ﴾ [نوح : ٢٨] هلاكاً فأهلكوا.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : دعا نوح عليه السلام بدعوتين :
٤٣٦
إحداهما للمؤمنين بالمغفرة، وأخرى على الكافرين بالتبار، وقد أجيبت دعوته في حق الكفار بالتبار فاستحال أن لا تستجاب دعوته في حق المؤمنين.
واختلف في صبيانهم حين أغرقوا فقيل : أعقم الله أرحام نسائهم قبل الطوفان بأربعين سنة فلم يكن معهم صبي حين أغرقوا.
وقيل : علم الله براءتهم فأهلكوا بغير عذاب.
٤٣٧
سورة الجن
مكية وهي ثمان وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ قُلْ ﴾ يا محمد لأمتك ﴿ أُوحِىَ إِلَىَّ أَنَّهُ ﴾ أن الأمر والشأن.أجمعوا على فتح ﴿ أَنَّهُ ﴾ لأنه فاعل ﴿ أُوحِىَ ﴾ و ﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَـامُوا ﴾ و ﴿ الْمَسْجِدَ ﴾ للعطف على ﴿ أَنَّهُ اسْتَمَعَ ﴾ [الجن : ١] فـ " أن " مخفقة من الثقيلة و ﴿ أَن قَدْ أَبْلَغُوا ﴾ [الجن : ٢٨] لتعدي ﴿ يَعْلَمْ ﴾ إليها، وعلى كسر ما بعد فاء الجزاء وبعد القول نحو ﴿ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ ﴾ [التوبة : ٦٣] ﴿ وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَـافِرُونَ ﴾ لأنه مبتدأ محكي بعد القول، واختلفوا في فتح الهمزة وكسرها من ﴿ وَأَنَّهُ تَعَـالَى جَدُّ رَبِّنَا ﴾ إلى ﴿ وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ ﴾ [الجن : ١٤] ففتحها شامي وكوفي غير أبي بكر عطفاً على ﴿ أَنَّهُ اسْتَمَعَ ﴾ [الجن : ١] أو على محل الجار والمجرور في ﴿ بِهِ إِنَّهُ ﴾ [القصص : ٥٣] تقديره : صدقناه وصدقنا ﴿ وَأَنَّهُ تَعَـالَى جَدُّ رَبِّنَا ﴾ ﴿ وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا ﴾ [الجن : ٤] إلى آخرها، وكسرها غيرهم عطفاً على
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٣٨