سورة المزمل
مكية وهي تسع عشرة آية بصري وثمان عشرة شامي

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ يَـا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ﴾ [المزمل : ١] أي المتزمل وهو الذي تزمل في ثيابه أي تلفف بها بإدغام التاء في الزاي.
كان النبي صلى الله عليه وسلّم نائماً بالليل متزملاً في ثيابه فأمر بالقيام للصلاة بقوله ﴿ قُمِ الَّيْلَ إِلا قَلِيلا * نِّصْفَهُ ﴾ بدل من ﴿ الَّيْلَ ﴾ و ﴿ إِلا قَلِيلا ﴾ [النساء : ٤٦] استثناء من قوله ﴿ نِّصْفَهُ ﴾ تقديره : قم نصف الليل إلا قليلاً من نصف الليل ﴿ أَوِ انقُصْ مِنْهُ ﴾ [المزمل : ٣] من النصف.
بضم الواو : غير عاصم وحمزة ﴿ قَلِيلا ﴾ إلى الثلث ﴿ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ ﴾ [المزمل : ٤] على النصف إلى الثلثين، والمراد التخيير بين أمرين بين أن يقوم أقل من نصف الليل على البت، وبين أن يختار أحد الأمرين وهما النقصان من النصف والزيادة عليه، وإن جعلت ﴿ نِّصْفَهُ ﴾ بدلاً من ﴿ قَلِيلا ﴾ كان مخيراً بين ثلاثة أشياء : بين قيام نصف الليل تاماً، وبين قيام الناقص منه، وبين قيام الزائد عليه.
وإنما وصف النصف بالقلة بالنسبة إلى الكل وإلا فإطلاق لفظ القليل ينطلق على ما دون النصف ولهذا قلنا : إذا أقرّ أن لفلان عليه ألف درهم إلا
٤٤٥
قليلاً أنه يلزمه أكثر من نصف الألف ﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْءَانَ ﴾ [المزمل : ٤] بين وفصل من الثغر المرتل أي المفلج الأسنان، وكلام رتلٌ بالتحريك أي مرتل، وثغر رتل أيضاً إذا كان مستوي البنيان.
أو اقرأ على تؤدة بتبيين الحروف وحفظ الوقوف وإشباع الحركات ﴿ تَرْتِيلا ﴾ هو تأكيد في إيجاب الأمر به وأنه لا بد منه للقارىء ﴿ إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ ﴾ [المزمل : ٥] سننزل عليك ﴿ قَوْلا ثَقِيلا ﴾ [المزمل : ٥] أي القرآن لما فيه من الأوامر والنواهي التي هي تكاليف شاقة ثقيلة على المكلفين، أو ثقيلاً على المنافقين، أو كلام له وزن ورجحان ليس بالسفساف الخفيف.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٤٥
﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ الَّيْلِ ﴾ [المزمل : ٦] بالهمزة : سوى ورش : قيام الليل.
عن ابن مسعود رضي الله عنه.
فهي مصدر من نشأ إذا قام ونهض على فاعلة كالعافية، أو العبادة التي تنشأ بالليل أي تحدث، أو ساعات الليل لأنها تنشأ ساعة فساعة، وكان زين العابدين رضي الله عنه يصلي بين العشاءين ويقول هذه ناشئة الليل ﴿ هِىَ أَشَدُّ ﴾ ﴿ جَزَآءً وِفَاقًا ﴾ [النبأ : ٢٦] شامي وأبو عمرو أي يواطيء فيها قلب القائم لسانه.
وعن الحسن : أشد موافقة بين السر والعلانية لانقطاع رؤية الخلائق.
وغيرهما ﴿ وَطْـاًا ﴾ أي أثقل على المصلي من صلاة النهار لطرد النوم في وقته من قوله صلى الله عليه وسلّم :" اللهم اشدد وطأتك على مضر " ﴿ وَأَقْوَمُ قِيلا ﴾ [المزمل : ٦] وأشد مقالاً وأثبت قراءة لهدوء الأصوات وانقطاع الحركات ﴿ إِنَّ لَكَ فِى النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلا ﴾ [المزمل : ٧] تصرفاً وتقلباً في مهماتك وشواغلك ففرّغ نفسك في الليل لعبادة ربك أو فراغاً طويلاً لنومك وراحتك ﴿ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ ﴾ [الإنسان : ٢٥] ودم على ذكره في الليل والنهار، وذكر الله يتناول التسبيح والتهليل والتكبير والصلاة وتلاوة القرآن ودراسة العلم ﴿ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ ﴾ [المزمل : ٨] انقطع إلى عبادته عن كل شيء.
والتبتل : الانقطاع إلى الله تعالى بتأميل الخير منه دون غيره.
وقيل : رفض الدنيا وما فيها والتماس ما عند الله ﴿ تَبْتِيلا ﴾ في اختلاف المصدر زيادة
٤٤٦
تأكيد أي بتّلك الله فتبتل تبتيلاً أو جيء به مراعاة لحق الفواصل.
﴿ رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ﴾ [المزمل : ٩] بالرفع أي هو رب أو مبتدأ خبره ﴿ لا إِلَـاهَ إِلا هُوَ ﴾ [البقرة : ٢٥٥] وبالجر : شامي وكوفي غير حفص بدل من ﴿ رَبِّكَ ﴾ وعن ابن عباس رضي الله عنهما على القسم بإضمار حرف القسم نحو : الله لأفعلن، وجوابه لا إله إلا هو كقولك : والله لا أحد في الدار إلا زيد ﴿ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا ﴾ [المزمل : ٩] ولياً وكفيلاً بما وعدك من النصر، أو إذا علمت أنه ملك المشرق والمغرب وأن لا إله إلا هو فاتخذه كافياً لأمورك.
وفائدة الفاء أن لا تلبث بعد أن عرفت في تفويض الأمور إلى الواحد القهار إذ لا عذر لك في الانتظار بعد الإقرار.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٤٥


الصفحة التالية
Icon