سورة المدثر
مكية وهي ست وخمسون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : كنت على جبل حراء : فنوديت يا محمد إنك رسول الله.
فنظرت عن يميني ويساري فلم أر شيئاً، فنظرت إلى فوقي فإذا هو قاعد على عرش بين السماء والأرض ـ فرعبت ورجعت إلى خديجة فقلت : دثروني دثروني.
فدثرته خديجة فجاء جبريل وقرأ ﴿ يَـا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ﴾ [المدثر : ١] أي المتلفف بثيابه من الدثار وهو كل ما كان من الثياب فوق الشعار.
والشعار : الثوب الذي يلي الجسد وأصله المتدثر فأدغم ﴿ قُمْ ﴾ من مضجعك أو قم قيام عزم وتصميم ﴿ فَأَنذِرْ ﴾ فحذر قومك من عذاب الله إن لم يؤمنوا، أو فافعل الإنذار من غير تخصيص له بأحد.
وقيل : سمع من قريش ما كرهه فاغتم فتغطى بثوبه مفكراً كما يفعل المغموم فقيل له : يا أيها الصارف أذى الكفار عن نفسك بالدثار، قم فاشتغل بالأنذار وإن آذاك الفجار ﴿ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ﴾ [المدثر : ٣] واختص ربك بالتكبير وهو التعظيم أي لا يكبر في عينك
٤٥١
غيره وقل عندما يعروك من غير الله : الله أكبر.
وروي أنه لما نزل قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم " الله أكبر " فكبرت خديجة وفرحت وأيقنت أنه الوحي، وقد يحمل على تكبير الصلاة.
ودخلت الفاء لمعنى الشرط كأنه قيل : وما كان فلا تدع تكبيره.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٥١
﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾ [المدثر : ٤] بالماء من النجاسة لأن الصلاة لا تصح إلا بها وهي الأولى في غير الصلاة، أو فقصر مخالفة للعرب في تطويلهم الثياب وجرّهم الذيول إذ لا يؤمن معه إصابة النجاسة، أو طهر نفسك مما يستقذر من الأفعال يقال : فلان طاهر الثياب إذا وصفوه بالنقاء من المعايب، وفلان دنس الثياب للغادر ولأن من طهر باطنه يطهر ظاهره ظاهراً ﴿ وَالرُّجْزَ ﴾ بضم الراء : يعقوب وسهل وحفص، وغيرهم بالكسر العذاب والمراد ما يؤدي إليه ﴿ فَاهْجُرْ ﴾ أي أثبت على هجره لأنه كان بريئاً منه ﴿ وَلا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ ﴾ [المدثر : ٦] بالرفع وهو منصوب المحل على الحال أي لا تعط مستكبراً رائياً لما تعطيه كثيراً أو طالباً أكثر مما أعطيت فإنك مأمور بأجلّ الأخلاق وأشرف الآداب، وهو من منّ عليه إذا أنعم عليه.
وقرأ الحسن ﴿ تَسْتَكْثِرُ ﴾ بالسكون جواباً للنهي ﴿ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ﴾ [المدثر : ٧] ولوجه الله فاستعمل الصبر على أوامره ونواهيه وكل مصبور عليه ومصبور عنه ﴿ فَإِذَا نُقِرَ فِى النَّاقُورِ ﴾ [المدثر : ٨] نفخ في الصور وهي النفخة الأولى وقيل الثانية ﴿ فَذَالِكَ ﴾ إشارة إلى وقت النقر وهو مبتدأ ﴿ يَوْمَـاـاِذٍ ﴾ مرفوع المحل بدل من ﴿ ذَالِكَ ﴾ ﴿ يَوْمٌ عَسِيرٌ ﴾ [المدثر : ٩] خبر كأنه قيل : فيوم النقر يوم عسير.
والفاء في ﴿ فَإِذَا ﴾ للتسبيب وفي ﴿ فَذَالِكَ ﴾ للجزاء كأنه قيل : اصبر على أذاهم فبين أيديهم يوم عسير يلقون فيه عاقبة أذاهم وتلقى عاقبة صبرك عليه.
والعامل في ﴿ فَإِذَا ﴾ ما دل عليه الجزاء أي فإذا نقر في الناقور عسر الأمر ﴿ عَلَى الْكَـافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ ﴾ [المدثر : ١٠] وأكد بقوله ﴿ غَيْرُ يَسِيرٍ ﴾ [المدثر : ١٠] ليؤذن بأنه يسير على المؤمنين أو عسير لا يرجى أن يرجع يسيراً كما يرجى تيسير العسير من أمور الدنيا.
٤٥٢
﴿ ذَرْنِى وَمَنْ خَلَقْتُ ﴾ [المدثر : ١١] أي كله إليّ يعني الوليد بن المغيرة وكان يلقب في قومه بالوحيد و ﴿ وَمَنْ خَلَقْتُ ﴾
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٥١


الصفحة التالية
Icon