سورة المرسلات
مكية وهي خمسون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ وَالْمُرْسَلَـاتِ عُرْفًا * فَالْعَـاصِفَـاتِ عَصْفًا * وَالنَّـاشِرَاتِ نَشْرًا * فَالْفَـارِقَـاتِ فَرْقًا * فَالْمُلْقِيَـاتِ ذِكْرًا * عُذْرًا أَوْ نُذْرًا ﴾ أقسم سبحانه وتعالى بطوائف من الملائكة أرسلهن بأوامره فعصفن في مضيهن، وبطوائف منهم نشرن أجنحتهن في الجو عند انحطاطهن بالوحي، أو نشرن الشرائع في الأرض، أو نشرن النفوس الموتى بالكفر والجهل بما أو حين ففرقن بين الحق والباطل، فألقين ذكراً إلى الأنبياء عليهم السلام عذراً للمحقين أو نذراً للمبطلين.أو أقسم برياح عذاب أرسلهن فعصفن، وبرياح رحمة نشرن السحاب في الجو ففرقن بينه كقوله ﴿ عَلَيْنَا كِسَفًا ﴾ (الروم : ٨٤) فألقين ذكراً إما عذراً للذين يعتذرون إلى الله بتوبتهم واستغفارهم إذا رأوا نعمة الله في الغيث ويشكرونها، واما نذراً للذين لا يشكرون وينسبون ذلك إلى الأنواء، وجعلن ملقيات للذكر باعتبار السببية.
﴿ عُرْفًا ﴾ حال أي متتابعة كعرف الفرس يتلو بعضه بعضاً، أو مفعول له أي أرسلن للإحسان والمعروف.
و ﴿ عَصْفًا ﴾ و ﴿ نَشْرًا ﴾ مصدران.
﴿ أَوْ نُذْرًا ﴾ [المرسلات : ٦] أبو عمرو وكوفي غير أبي بكر وحماد.
والعذر والنذر مصدران من عذر إذا محا الإساءة، ومن أنذر إذا خوف على فعل كالكفر والشكر.
وانتصابهما على البدل من ﴿ ذِكْرًا ﴾
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٧١
أو على المفعول له.
٤٧١
﴿ إِنَّمَا تُوعَدُونَ ﴾ [الذاريات : ٥] إن الذي توعدونه من مجيء يوم القيامة ﴿ لَوَاقِعٌ ﴾ لكائن نازل لا ريب فيه، وهو جواب القسم ولا وقف إلى هنا لوصل الجواب بالقسم ﴿ فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ ﴾ [المرسلات : ٨] محيت أو ذهب بنورها وجواب ﴿ فَإِذَا ﴾ محذوف والعامل فيها جوابها وهو وقوع الفصل ونحوه، و ﴿ النُّجُومُ ﴾ فاعل فعل يفسره ﴿ طُمِسَتْ ﴾ ﴿ وَإِذَا السَّمَآءُ فُرِجَتْ ﴾ [المرسلات : ٩] فتحت فكانت أبواباً ﴿ وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ ﴾ [المرسلات : ١٠] قلعت من أماكنها ﴿ وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ ﴾ [المرسلات : ١١] أي وقتت كقراءة أبي عمرو أبدلت الهمزة من الواو، ومعنى توقيت الرسل تبيين وقتها الذي يحضرون فيه للشهادة على أممهم ﴿ لايِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ ﴾ [المرسلات : ١٢] أخرت وأمهلت، وفيه تعظيم لليوم وتعجيب من هوله والتأجيل من الأجل كالتوقيت من الوقت ﴿ لِيَوْمِ الْفَصْلِ ﴾ [المرسلات : ١٣] بيان ليوم التأجيل وهو اليوم الذي يفصل فيه بين الخلائق ﴿ وَمَآ أَدْرَاـاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ ﴾ [المرسلات : ١٤] تعجيب آخر وتعظيم لأمره ﴿ وَيْلٌ ﴾ مبتدأ وإن كان نكرة لأنه في أصله مصدر منصوب ساد مسد فعله ولكنه عدل به إلى الرفع للدلالة على معنى ثبات الهلاك ودوامه للمدعو عليه ونحوه ﴿ سَلَـامٌ عَلَيْكُمُ ﴾ [النحل : ٣٢] (الرعد : ٤٢) ﴿ يَوْمَـاـاِذٍ ﴾ ظرفه ﴿ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾ بذلك اليوم خبره.
﴿ أَلَمْ نُهْلِكِ الاوَّلِينَ ﴾ [المرسلات : ١٦] الأمم الخالية المكذبة ﴿ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الاخِرِينَ ﴾ [المرسلات : ١٧] مستأنف بعد وقف، وهو وعيد لأهل مكة أي ثم نفعل بأمثالهم من الآخرين مثل ما فعلنا بالأولين لأنهم كذبوا مثل تكذيبهم.
﴿ كَذَالِكَ ﴾ مثل ذلك الفعل الشنيع ﴿ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ ﴾ [الصافات : ٣٤] بكل من أجرم ﴿ وَيْلٌ يَوْمَـاـاِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾ [المرسلات : ١٥] بما أوعدنا ﴿ أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ ﴾ [المرسلات : ٢٠] حقير وهو النطفة ﴿ فَجَعَلْنَـاهُ ﴾ أي الماء ﴿ فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ ﴾ [المؤمنون : ١٣] مقر يتمكن فيه وهو الرحم ومحل ﴿ إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ ﴾ [المرسلات : ٢٢] الحال أي
٤٧٢
مؤخر إلى مقدار من الوقت معلوم قد علمه الله وحكم به وهو تسعة أشهر أو ما فوقها أو ما دونها ﴿ فَقَدَرْنَا ﴾ فقدرنا ذلك تقديراً ﴿ فَنِعْمَ الْقَـادِرُونَ ﴾ [المرسلات : ٢٣] فنعم المقدرون له نحن أو فقدرنا على ذلك فنعم القادرون عليه نحن، والأول أحق لقراءة نافع وعلي بالتشديد، ولقوله ﴿ مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ﴾ [عبس : ١٩] (عبس : ٩١) ﴿ وَيْلٌ يَوْمَـاـاِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾ [المرسلات : ١٥] بنعمة الفطرة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٧١