﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا ﴾ [المرسلات : ٤٨] اخشعوا لله وتواضعوا إليه بقبول وحيه واتباع دينه ودعوا هذا الاستكبار ﴿ لا يَرْكَعُونَ ﴾ [المرسلات : ٤٨] لا يخشعون ولا يقبلون ذلك ويصرون على استكبارهم، أو إذا قيل لهم صلوا لا يصلون ﴿ وَيْلٌ يَوْمَـاـاِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾ [المرسلات : ١٥] بالأمر والنهي ﴿ فَبِأَىِّ حَدِيث بَعْدَهُ ﴾ [الأعراف : ١٨٥] بعد القرآن ﴿ يُؤْمِنُونَ ﴾ أي إن لم يؤمنوا بالقرآن مع أنه آية مبصرة ومعجزة باهرة من بين الكتب السماوية فبأي كتاب بعده يؤمنون؟ والله أعلم.
٤٧٥
سورة النبأ
مكية وهي أربعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ عَمَّ ﴾ أصله " عن ما " وقرىء بها، ثم أدغمت النون في الميم فصار " عما " وقرىء بها، ثم حذفت الألف تخفيفاً لكثرة الاستعمال في الاستفهام وعليه الاستعمال الكثير، وهذا استفهام تفخيم للمستفهم عنه لأنه تعالى لا تخفى عليه خافية ﴿ يَتَسَآءَلُونَ ﴾ يسأل بعضهم بعضاً أو يسألون غيرهم من المؤمنين، والضمير لأهل مكة كانوا يتساءلون فيما بينهم عن البعث ويسألون المؤمنين عنه على طريق الاستهزاء ﴿ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ﴾ [النبأ : ٢] أي البعث وهو بيان للشأن المفخم وتقديره : عم يتساءلون يتساءلون عن النبإ العظيم ﴿ الَّذِى هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ﴾ [النبأ : ٣] فمنهم من يقطع بإنكاره ومنهم من يشك.
وقيل : الضمير للمسلمين والكافرين وكانوا جيعاً يتساءلون عنه، فالمسلم يسأل ليزداد خشية، والكافر يسأل استهزاء ﴿ كَلا ﴾ ردع عن الاختلاف أو التساؤل هزؤاً ﴿ سَيَعْلَمُونَ ﴾ وعيد لهم بأنهم سوف يعلمون عياناً أن ما يستاءلون عنه حق ﴿ ثُمَّ كَلا سَيَعْلَمُونَ ﴾ [النبأ : ٥] كرر الردع للتشديد و " ثم " يشعر بأن الثاني أبلغ من الأول وأشد.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٧٦
﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الارْضَ ﴾ [المرسلات : ٢٥] لما أنكروا البعث.
قيل لهم : ألم يخلق من أضيف إليه البعث هذه الخلائق العجيبة فلم تنكرون قدرته على البعث وما هو إلا اختراع كهذه الاختراعات؟ أو قيل لهم : لم فعل هذه الأشياء والحكيم لا يفعل عبثاً وإنكار
٤٧٦
البعث يؤدي إلى أنه عابث في كل ما فعل؟ ﴿ مِهَـادًا ﴾ فراشاً فرشناها لكم حتى سكنتموها ﴿ وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ﴾ [النبأ : ٧] للأرض لئلا تيمد بكم ﴿ وَخَلَقْنَـاكُمْ أَزْوَاجًا ﴾ [النبأ : ٨] ذكر أو أنثى ﴿ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا ﴾ [النبأ : ٩] قطعاً لأعمالكم وراحة لأبدانكم والسبت القطع ﴿ وَجَعَلْنَا الَّيْلَ لِبَاسًا ﴾ [النبأ : ١٠] ستراً يستركم عن العيون إذا أردتم إخفاء ما لا تحبون الاطلاع عليه ﴿ وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ﴾ وقت معاش تتقلبون في حوائجكم ومكاسبكم ﴿ وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا ﴾ [النبأ : ١٢] سبع سموات ﴿ شِدَادًا ﴾ جمع شديدة أي محكمة قوية لا يؤثّر فيها مرور الزمان أو غلاظاً غلظ كل واحدة مسيرة خمسمائة عام ﴿ وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا ﴾ [النبأ : ١٣] مضيئاً وقّاداً أي جامعاً للنور والحرارة والمراد الشمس ﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ ﴾ [النبأ : ١٤] أي السحائب إذا أعصرت أي شارفت أن تعصرها الرياح فتمطر، ومنه أعصرت الجارية إذا دنت أن تحيض، أو الرياح لأنها تنشىء السحاب وتدر أحلافه فيصح أن تجعل مبدأ للإنزال، وقد جاء أن الله تعالى يبعث الرياح فتحمل الماء من السماء إلى السحاب ﴿ مَآءً ثَجَّاجًا ﴾ [النبأ : ١٤] منصباً بكثرة ﴿ لِّنُخْرِجَ بِهِ ﴾ [النبأ : ١٥] بالماء ﴿ حَبًّا ﴾ كالبر والشعير ﴿ وَنَبَاتًا ﴾ وكلأ ﴿ وَجَنَّـاتٍ ﴾ بساتين ﴿ أَلْفَافًا ﴾ ملتفة الأشجار واحدها لف كجذع وأجذاع، أو لفيف كشريف وأشراف، أو لا واحد له كأوزاع، أو هي جمع الجمع فهي جمع لف واللف جمع لفاء وهي شجرة مجتمعة.
ولا وقف من ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ ﴾ [المرسلات : ٢٥] إلى ﴿ أَلْفَافًا ﴾ الوقف الضروري على ﴿ أَوْتَادًا ﴾ و ﴿ مَعَاشًا ﴾.
﴿ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ ﴾ [النبأ : ١٧] بين المحسن والمسيء والمحق والمبطل ﴿ كَانَ مِيقَـاتًا ﴾ [النبأ : ١٧] وقتاً محدوداً ومنتهى معلوماً لوقوع الجزاء أو ميعاداً للثواب والعقاب.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٧٦


الصفحة التالية
Icon