﴿ فَأَمَّا ﴾ جواب ﴿ فَإِذَا ﴾ أي إذا جاءت الطامة فإن الأمر كذلك ﴿ مَن طَغَى ﴾ [النازعات : ٣٧] جاوز الحد فكفر ﴿ وَءَاثَرَ الْحَيَواةَ الدُّنْيَا ﴾ على الآخرة باتباع الشهوات ﴿ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِىَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات : ٣٩] المرجع أي مأواه، والألف واللام بدل من الإضافة وهذا عند الكوفيين، وعند سيبويه وعند البصريين هي المأوى له ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ﴾ [النازعات : ٤٠] أي علم أن له مقاماً يوم القيامة لحساب ربه ﴿ وَنَهَى النَّفْسَ ﴾ [النازعات : ٤٠] الأمارة بالسوء ﴿ عَنِ الْهَوَى ﴾ [النجم : ٣] المؤذي أي زجرها عن اتباع الشهوات.
وقيل : هو الرجل يهم بالمعصية فيذكر مقامه للحساب فيتركها، والهوى ميل النفس إلى شهواتها ﴿ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِىَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات : ٤١] أي المرجع
٤٨٤
﴿ يَسْـاَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَـاـاهَا ﴾ [الأعراف : ١٨٧] متى إرساؤها أي إقامتها يعني متى يقيمها الله تعالى ويثبتها ﴿ فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاـاهَآ ﴾ [النازعات : ٤٣] في شيء أنت من أن تذكر وقتها لهم وتعلمهم به أي ما أنت من ذكراها لهم وتبيين وقتها في شيء كقولك : ليس فلان من العلم في شيء.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم يزل يذكر الساعة ويسأل عنها حتى نزلت، فهو على هذا تعجب من كثرة ذكره لها أي أنهم يسألونك عنها فلحرصك على جوابهم لا تزال تذكرها وتسأل عنها.
﴿ إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَـاـاهَآ ﴾ [النازعات : ٤٤] منتهى علمها متى تكون لا يعلمها غيره، أو فيم إنكار لسؤالهم عنها أي فيم هذا السؤال.
ثم قال ﴿ أَنتَ مِن ذِكْرَاـاهَآ ﴾ [النازعات : ٤٣] أي إرسالك وأنت آخر الأنبياء علامة من علاماتها فلا معنى لسؤالهم عنها، ولا يبعد أن يوقف على هذا على ﴿ فِيمَ ﴾ وقيل ﴿ فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاـاهَآ ﴾ [النازعات : ٤٣] متصل بالسؤال أي يسألونك عن الساعة أيان مرساها ويقولون أين أنت من ذكراها.
ثم استأنف فقال ﴿ إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَـاـاهَآ ﴾ [النازعات : ٤٤] ﴿ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَـاـاهَا ﴾ [النازعات : ٤٥] أي لم تبعث لتعلمهم بوقت الساعة وإنما بعثت لتنذر من أهوالها من يخاف شدائدها.
﴿ مُنذِرُ ﴾ منون : يزيد وعباس ﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا ﴾ [النازعات : ٤٦] أي الساعة ﴿ لَمْ يَلْبَثُوا ﴾ [يونس : ٤٥] في الدنيا ﴿ إِلا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَـاـاهَا ﴾ [النازعات : ٤٦] أي ضحى العشية استقلوا مدة لبثهم في الدنيا لما عاينوا من الهول كقوله :﴿ لَمْ يَلْبَثُوا إِلا سَاعَةً مِّن نَّهَار ﴾ [الأحقاف : ٣٥](يونس : ٥٤) وقوله :﴿ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾ [الكهف : ١٩] (المؤمنون : ٣١١) وإنما صحت إضافة الضحى إلى العشية للملابسة بينهما لاجتماعهما في نهار واحد، والمراد أن مدة لبثهم لم تبلغ يوماً كاملاً ولكن أحد طرفي النهار عشيته أو ضحاه والله أعلم.
٤٨٥
سورة عبس
مكية وهي اثنتان وأربعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ عَبَسَ ﴾ كلح أي النبي صلى الله عليه وسلّم ﴿ وَتَوَلَّى ﴾ أعرض ﴿ أَن جَآءَهُ ﴾ [عبس : ٢] لأن جاءه ومحله نصب لأنه مفعول له، والعامل فيه ﴿ عَبَسَ ﴾ أو تولى على اختلاف المذهبين ﴿ الاعْمَى ﴾ عبد الله بن أم مكتوم، وأم مكتوم أم أبيه، وأبوه شريح بن مالك، أتى النبي صلى الله عليه وسلّم وهو يدعو أشراف قريش إلى الإسلام فقال : يا رسول الله علمني مما علمك الله وكرر ذلك وهو لا يعلم تشاغله بالقوم، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلّم قطعه لكلامه وعبس وأعرض عنه فنزلت فكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يكرمه بعدها ويقول : مرحباً بمن عاتبني فيه ربي واستخلفه على المدينة مرتين ﴿ وَمَا يُدْرِيكَ ﴾ [الأحزاب : ٦٣] وأي شيء يجعلك دارياً بحال هذا الأعمى ﴿ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ﴾ [عبس : ٣] لعل الأعمى يتطهر بما يسمع منك من دنس الجهل.وأصله يتزكى فأدغمت التاء في الزاي، وكذا ﴿ أَوْ يَذَّكَّرُ ﴾ [عبس : ٤] يتعظ ﴿ فَتَنفَعَهُ ﴾ نصبه عاصم غير الأعشى جواباً لـ " لعل " وغيره رفعه عطفاً على ﴿ يَذَّكَّرُ ﴾ ﴿ الذِّكْرَى ﴾ ذكراك أي موعظتك
٤٨٦
أي أنك لا تدري ما هو مترقب منه من ترك، أو تذكر ولو دريت لما فرط ذلك منك.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٨٦