﴿ وُجُوهٌ يَوْمَـاـاِذٍ مُّسْفِرَةٌ ﴾ [عبس : ٣٨] مضيئة من قيام الليل أو من آثار الوضوء ﴿ ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ ﴾ [عبس : ٣٩] أي أصحاب هذه الوجوه وهم المؤمنون ضاحكون مسرورون ﴿ وَوُجُوهٌ يَوْمَـاـاِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ ﴾ [عبس : ٤٠] غبار ﴿ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ ﴾ [عبس : ٤١] يعلو الغبرة سواد كالدخان ولا ترى أوحش من اجتماع الغبرة والسواد في الوجه أهل هذه الحالة ﴿ هُمُ الْكَفَرَةُ ﴾ [عبس : ٤٢] في حقوق الله ﴿ الْفَجَرَةُ ﴾ في حقوق العباد، ولما جمعوا الفجور إلى الكفر جمع إلى سواد وجوههم الغبرة والله أعلم.
٤٨٩
سورة التكوير
مكية وهي تسع وعشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ﴾ [التكوير : ١] ذهب بضوئها من كورت العمامة إذا لفقتها أي يلف ضوءها لفاً فيذهب انبساطه وانتشاره في الآفاق.
وارتفاع ﴿ الشَّمْسُ ﴾ بالفاعلية ورافعها فعل مضمر يفسره ﴿ كُوِّرَتْ ﴾ لأن " إذا " يطلب الفعل لما فيه من معنى الشرط ﴿ وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ ﴾ [التكوير : ٢] تساقطت ﴿ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ﴾ [التكوير : ٣] عن وجه الأرض وأبعدت أو سيرت في الجو تسيير السحاب ﴿ وَإِذَا الْعِشَارُ ﴾ [التكوير : ٤] جمع عشراء وهي الناقة التي أتى على حملها عشرة أشهر، ثم هو اسمها إلى أن تضع لتمام السنة ﴿ عُطِّلَتْ ﴾ أهملت عطلها أهلها لاشتغالهم بأنفسهم وكانوا يحبسونها إذا بلغت هذه الحالة لعزتها عندهم ويعطلون ما دونها.
﴿ عُطِّلَتْ ﴾ بالتخفيف عن اليزيدي ﴿ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ﴾ [التكوير : ٥] جمعت من كل ناحية.
قال قتادة : يحشر كل شيء
٤٩٠
حتى الذباب للقصاص فإذا قضى بينها ردت أتراباً فلا يبقى منها إلا ما فيه سرور لبني آدم كالطاوس ونحوه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : حشرها موتها.
يقال : إذا أجحفت السنة بالناس وأموالهم حشرتم السنة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٩٠
﴿ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ﴾ [التكوير : ٦] ﴿ سُجِّرَتْ ﴾ مكي وبصري من سجر التنور إذا ملأه بالحطب أي ملئت، وفجر بعضاً إلى بعض حتى تعود بحراً واحداً.
وقيل : ملئت نيراناً لتعذيب أهل النار ﴿ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ﴾ [التكوير : ٧] قرنت كل نفس بشكلها الصالح مع الصالح في الجنة والطالح مع الطالح في النار، أو قرنت الأرواح بالأجساد، أو بكتبها وأعمالها، أو نفوس المؤمنين بالحور العين ونفوس الكافرين بالشياطين ﴿ وَإِذَا الْمَوْءُادَةُ ﴾ [التكوير : ٨] المدفونة حية، وكانت العرب تئد البنات خشية الإملاق وخوف الاسترقاق ﴿ سُـاـاِلَتْ ﴾ سؤال تلطف لتقول بلا ذنب قتلت، أو لتدل على قاتلها، أو هو توبيخ لقاتلها بصرف الخطاب عنه كقوله :﴿ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِى ﴾ [المائدة : ١١٦] (المائدة : ٦١١) الآية ﴿ بِأَىِّ ذَنابٍ قُتِلَتْ ﴾ وبالتشديد : يزيد.
وفيه دليل على أن أطفال المشركين لا يعذبون، وعلى أن التعذيب لا يكون بلا ذنب ﴿ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ﴾ [التكوير : ١٠] ﴿ فُتِحَتْ ﴾ وبالتخفيف : مدني وشامي وعاصم وسهل ويعقوب.
والمراد صحف الأعمال تطوى صحيفة الإنسان عند موته ثم تنشر إذا حوسب، ويجوز أن يراد نشرت بين أصحابها أي فرقت بينهم ﴿ وَإِذَا السَّمَآءُ كُشِطَتْ ﴾ [التكوير : ١١] قال الزجاج : قلعت كما يقلع السقف ﴿ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ﴾ [التكوير : ١٢] أوقدت إيقاداً شديداً.
بالتشديد : شامي ومدني وعاصم غير حماد ويحيى للمبالغة ﴿ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ﴾ [التكوير : ١٣] أدنيت من المتقين كقوله :
٤٩١
﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ﴾ [ق : ٣١] (ق : ١٣).
فهذه اثنتا عشرة خصلة ست منها في الدنيا والباقية في الآخرة.
ولا وقف مطلقاً من أول السورة إلى ﴿ مَّآ أَحْضَرَتْ ﴾ [التكوير : ١٤] لأن عامل النصب في ﴿ إِذَا الشَّمْسُ ﴾ [التكوير : ١] وفيما عطف عليه جوابها وهو ﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ ﴾ [التكوير : ١٤]أي كل نفس ولضرورة انقطاع النفس على كل آية جوز الوقف ﴿ مَّآ أَحْضَرَتْ ﴾ [التكوير : ١٤] من خير وشر.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٩٠


الصفحة التالية
Icon