أن ينسخه وهذا بشارة من الله لنبيه أن يحفظ عليه الوحي حتى لا ينفلت منه شيء إلا ما شاء الله أن ينسخه فيذهب به عن حفظه برفع حكمه وتلاوته.
وسأل ابن كيسان النحوي جنيداً عنه فقال : فلا ننسى العمل به فقال : مثلك يصدر.
وقيل : قوله ﴿ فَلا تَنسَى ﴾ [الأعلى : ٦] على النهي والألف مزيدة للفاصلة كقوله :﴿ السَّبِيلا ﴾ (الأحزاب : ٧٦) أي فلا تغفل قراءته وتكريره فتنساه إلا ما شاء الله أن ينسيكه برفع تلاوته ﴿ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى ﴾ [الأعلى : ٧] أي إنك تجهر بالقراءة مع قراءة جبريل مخافة التفلت والله يعلم جهرك معه وما في نفسك مما يدعوك إلى الجهر، أو ما تقرأ في نفسك مخافة النسيان، أو يعلم ما أسررتم وما أعلنتم من أقوالكم وأفعالكم وما ظهر وما بطن من أحوالكم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥١١
﴿ وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى ﴾ [الأعلى : ٨] معطوف على ﴿ سَنُقْرِئُكَ ﴾ وقوله ﴿ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى ﴾ [الأعلى : ٧] اعتراض ومعناه ونوفقك للطريقة التي هي أيسر وأسهل يعني حفظ الوحي.
وقيل : للشريعة السمحة التي هي أيسر الشرائع أو نوفقك لعمل الجنة ﴿ فَذَكِّرْ ﴾ عظ بالقرآن ﴿ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى ﴾ [الأعلى : ٩] جواب " إن " مدلول قوله ﴿ فَذَكِّرْ ﴾ قيل : ظاهره شرط ومعناه استبعاد لتأثير الذكرى فيهم.
وقيل : هو أمر بالتذكير على الإطلاق كقوله :﴿ فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ ﴾ [الغاشية : ٢١] (الغاشية : ١٢).
غير مشروط بالنفع ﴿ سَيَذَّكَّرُ ﴾ سيتعظ ويقبل التذكرة ﴿ مَن يَخْشَى ﴾ [الأعلى : ١٠] الله وسوء العاقبة ﴿ وَيَتَجَنَّبُهَا ﴾ ويتباعد عن الذكرى فلا يقبلها ﴿ الاشْقَى ﴾ الكافر أو الذي هو أشقى الكفرة لتوغله في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
قيل : نزلت في الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة ﴿ الَّذِى يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ﴾ يدخل نار جهنم والصغرى نار الدنيا ﴿ ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا ﴾ [الأعلى : ١٣] فيستريح من العذاب ﴿ وَلا يَحْيَى ﴾ [الأعلى : ١٣] حياة يتلذذ بها.
وقيل :" ثم " لأن الترجح بين الحياة والموت أفظع من الصلي فهو متراخٍ عنه في مراتب الشدة.
﴿ قَدْ أَفْلَحَ ﴾ [المؤمنون : ١] نال الفوز ﴿ مَن تَزَكَّى ﴾ [طه : ٧٦] تطهر من الشرك أو تطهر
٥١٢
للصلاة أو أدى الزكاة تفعل من الزكاة كتصدق من الصدقة ﴿ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ ﴾ [الأعلى : ١٥] وكبر للافتتاح ﴿ فَصَلَّى ﴾ الخمس وبه يحتج على وجوب تكبيرة الافتتاح، وعلى أنها ليست من الصلاة، لأن الصلاة عطفت عليها وهو يقتضي المغايرة، وعلى أن الافتتاح جائز بكل اسم من أسمائه عز وجل.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : ذكر معاده وموقفه بين يدي ربه وصلى له.
وعن الضحاك : وذكر اسم ربه في طريق المصلى فصلى صلاة العيد ﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَواةَ الدُّنْيَا ﴾ [الأعلى : ١٦] على الآخرة فلا تفعلون ما به تفلحون.
والمخاطب به الكافرون دليله قراءة أبي عمرو بالياء ﴿ الدُّنْيَا * وَالاخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [الأعلى : ١٧] أفضل من نفسها وأدوم ﴿ إِنَّ هَـاذَا لَفِى الصُّحُفِ الاولَى ﴾ [الأعلى : ١٨] هذا إشارة إلى قوله ﴿ قَدْ أَفْلَحَ ﴾ [المؤمنون : ١] إلى ﴿ أَبْقَى ﴾ أي أن معنى هذا الكلام وارد في تلك الصحف أو إلى ما في السورة كلها، وهو دليل على جواز قراءة القرآن بالفارسية في الصلاة لأنه جعله مذكوراً في تلك الصحف مع أنه لم يكن فيها بهذا النظم وبهذه اللغة ﴿ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ﴾ [الأعلى : ١٩] بدل من ﴿ الصُّحُفِ الاولَى ﴾ [طه : ١٣٣] وفي الأثر وفي صحف إبراهيم : ينبغي للعاقل أن يكون حافظاً للسانه عارفاً بزمانه مقبلاً على شأنه.
٥١٣
سورة الغاشية
مكية وهي ست وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم