﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ أي إن مع الشدة التي أنت فيها من مقاساة بلاء المشركين يسراً بإظهاري إياك عليهم حتى تغلبهم.
وقيل : كان المشركون يعيرون رسول الله والمؤمنين بالفقر حتى سبق إلى وهمه أنهم رغبوا عن الإسلام لافتقار أهله، فذكره ما أنعم به عليه من جلائل النعم.
ثم قال ﴿ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح : ٦] كأنه قال : خولناك ما خولناك فلا تيأس من فضل الله فإن مع العسر الذي أنتم فيه يسراً، وجيء بلفظ " مع " لغاية مقاربة اليسر العسر زيادة في التسلية ولتقوية القلوب، وإنما قال عليه السلام عند نزولها " لن يغلب عسر يسرين " لأن العسر أعيد معرفاً فكان واحداً لأن المعرفة إذا أعيدت معرفة كانت الثانية عين الأولى، واليسر أعيد نكرة والنكرة إذا أعيدت نكرة كانت الثانية غير الأولى، فصار المعنى إن مع العسر يسرين.
قال أبو معاذ : يقال إن مع الأمير غلاماً إن مع الأمير غلاماً، فالأمير واحد ومعه غلامان.
وإذا قال : إن مع أمير غلاماً وإن مع الأمير الغلام، فالأمير واحد والغلام واحد.
وإذا قيل : إن مع أمير غلاماً وإن مع أمير غلاماً فهما أميران وغلامان كذا في " شرح التأويلات ".
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٣٦
﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ ﴾ [الشرح : ٧] أي فإذا فرغت من دعوة الخلق فاجتهد في عبادة الرب، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : فإذا فرغت من صلاتك فاجتهد في الدعاء، واختلف أنه قبل السلام أو بعده، ووجه الاتصال بما قبله أنه لما عدد عليه نعمه السالفة ومواعيده الآتية بعثه على الشكر والاجتهاد في العبادة والنصب فيها، وأن يواصل بين بعضها وبعض ولا يخلي وقتاً من أوقاته منها فإذا فرغ من عبادة ذنبها بأخرى ﴿ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَب ﴾ [الشرح : ٨] واجعل رغبتك إليه خصوصاً ولا تسأل إلا فضله متوكلاً عليه
٥٣٧
﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [آل عمران : ١٢٢] (إبراهيم : ١١).
سورة والتين
مكية وهي ثمان آيات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ﴾ [التين : ١] أقسم بهما لأنهما عجيبان من بين الأشجار المثمرة، روي أنه أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلّم طبق من تين فأكل منه وقال لأصحابه :" كلوا فلو قلت إن فاكهة نزلت من الجنة لقلت هذه لأن فاكهة الجنة بلا عجم، فكلوها فإنها تقطع البواسير وتنفع من النقرس " وقال :" نعم السواك الزيتون من الشجرة المباركة يطيب الفم ويذهب بالحفرة " وقال :" هي سواكي وسواك الأنبياء قبلي ".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : هو تينكم هذا وزيتونكم هذا، وقيل : هما جبلان بالشام منبتاهما ﴿ وَطُورِ سِينِينَ ﴾ [التين : ٢] أضيف الطور ـ وهو الجبل ـ إلى سينين ـ وهي البقعة ـ ونحو سينون بيرون في جواز الإعراب بالواو والياء والإقرار على الياء وتحريك النون بحركات الإعراب ﴿ وَهَـاذَا الْبَلَدِ ﴾ [التين : ٣] يعني مكة ﴿ الامِينُ ﴾ من أمن الرجل أمانة فهو أمين، وأمانته أنه يحفظ من دخله كما يحفظ الأمين ما يؤتمن عليه.
ومعنى القسم بهذه الأشياء الإبانة عن شرف البقاع المباركة وما ظهر فيها من الخير والبركة بسكنى الأنبياء والأولياء،
٥٣٨
فمنبت التين والزيتون مهاجر إبراهيم ومولد عيسى ومنشؤه، والطور : المكان الذي نودي منه موسى، ومكة مكان البيت الذي هو هدى للعالمين ومولد نبينا ومبعثه صلوات الله عليهم أجمعين.
أو الأولان قسم بمهبط الوحي على عيسى، والثالث على موسى، والرابع على محمد عليهم السلام.


الصفحة التالية
Icon