سورة البقرة
مدنية وآياتها مائتان وسبع وثمانون إن قلت أي سورة أطول وآيها أقصر؟ وأي آية أطول وآيها أقصر؟ قلت : قال أهل التفسير : أطول سورة في القرآن البقرة وأقصرها الكوثر وأطول آية الدين وأقصرها آية والضحى والفجر وأطول كلمة فيه كلمة ﴿فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ﴾ (الحجر : ٢٢) فإن قلت : ما الحكمة في أن سورة البقرة أعظم السور ما عدا الفاتحة؟ الجواب : لأنها فُصِّلت فيها الأحكام وضُربت الأمثال وأقيمت الحجج إذ لم تشتمل سورة على ما اشتملت عليه ولذلك سميت فسطاط القرآن.
قال ابن العربي في "أحكام القرآن" : سمعت بعض أشياخي يقول فيها : ألف أمر وألف نهي وألف حكم وألف خبر ولعظم فقهها أقام ابن عمر رضي الله عنهما ثماني سنين على تعلمها كذا في أسئلة الحكم.
قال الإمام في التفسير "الكبير" : اعلم أنه مر على لساني في بعض الأوقات أن هذه السورة الكريمة يمكن أن يستنبط من فوائدها ونفائسها عشرة آلاف مسألة فاستبعد هذا بعض الحساد وقوم من أهل الجهل والغي والعناد وحملوا ذلك على ما ألفوه من أنفسهم من التصلفات الفارغة عن المعاني والكلمات الخالية عن تحقيق المعاقد والمباني فلما شرعت في تصنيف هذا الكتاب قدمت هذه المقدمة لتصير كالتنبيه على أن ما ذكرنا أمر ممكن الحصول قريب الوصول انتهى.
وإنما سُوِّرت السور طوالاً وأوساطاً وقصاراً تنبيهاً على أن الطول ليس من شرط الإعجاز فهذه سورة الكوثر ثلاث آيات وهي معجزة إعجاز سورة البقرة ثم ظهرت لذلك التسوير حكمة في التعليم وتدريج الأطفال من السور القصار إلى ما فوقها تيسيراً من الله تعالى على عباده وفي ذلك أيضاً ترغيب وتوسيع في الفضيلة في الصلاة وغيرها كسورة الإخلاص من القصار تعدل ثلث القرآن فمن فهم ذلك فاز بسر التسوير، فإن قلت ما الحكمة في تعدد مواطن نزول القرآن وتكرر مشاهده مكياً مدنياً ليلياً نهارياً سفرياً حضرياً صيفياً شتائياً نومياً برزخياً يعني بين الليل والنهار أرضياً سماوياً غارياً ما نزل في الغار يعني تحت الأرض برزخياً ما نزل بين مكة والمدينة عرشياً معراجياً ما نزل ليلة المعراج آخر سورة البقرة، الجواب الحكمة في ذلك تشريف مواطن الكون كلها بنزول الوحي الإلهي فيها وحضور الحضرة المحمدية عندها كما قيل : سر المعراج والإسراء به وسير المصطفى في مواطن الكون كلها كأن الكون والعرش والجنان يسأل كل موطن بلسان الحال أن يشرفه الله تعالى بقدوم قدم حبيبه وتكتحل أعين الأعيان والكبار بغبار نعال قدم سيد السادات ومفخر موجودات الولاة ما شم الكون رائحة الوجود وما بدا من حضرة الكمون لمعة الشهود كما ورد بلسان القدس (لولاك لولاك لما خلقت الأفلاك).
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٦
﴿الام﴾ إن قلت ما الحكمة في ابتداء البقرة بألم والفاتحة بالحرف الظاهر؟ المحكم الجواب قال السيوطي رحمه الله ( ـ في "الأنفال" ـ ) أقول في مناسبة ابتداء البقرة بألم أنه لما ابتدئت الفاتحة بالحرف المحكم الظاهر لكل أحد بحيث لا يعذر في فهمه ابتدئت البقرة بمقابله وهو الحرف المتشابه البعيد التأويل ليعلم مراتبه للعقلاء والحكماء ليعجزهم بذلك ليعتبروا ويدبروا آياته
٢٧
كذا في خواتم الحكم وحل الرموز وكشف الكنوز للعارف بالله الشيخ المعروف بعلي دده.
واعلم أنهم تكلموا في شأن هذه الفواتح الكريمة وما أريد بها فقيل إنها من العلوم المستورة والأسرار المحجوبة أي : من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه وهي سر القرآن فنحن نؤمن بظاهرها ونكل العلم فيها إلى الله تعالى وفائدة ذكرها طلب الإيمان بها والألف الله واللام لطيف والميم مجيد أي : أنا الله اللطيف المجيد كما أن قوله تعالى :﴿الار﴾ (يونس : ١) أنا الله أرى و﴿كاهيعاص﴾ (مريم : ١) أنا الله الكريم الهادي الحكيم العليم الصادق وكذا قوله تعالى :﴿ق﴾ (ق : ١) إشارة إلى أنه القادر القاهر و﴿﴾ (القلم : ١) إشارة إلى أنه النور الناصر فهي حروف مقطعة كل منها مأخوذ من اسم من أسمائه تعالى والاكتفاء ببعض الكلمة معهود إلى العربية كما قال الشاعر :
قلت لها قفي فقالت ق
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٧


الصفحة التالية
Icon