سورة النساء
وهي مائة وخمس اوست أو سبع وسبعون آية"
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٥٨
يا اأَيُّهَا النَّاسُ} خطاب عام يتناول الموجودين في زمان الخطاب ومن بعدهم دون المنقرضين بدليل أنهم ما كانوا متعبدين بشرعنا فلو كان عاماً لجميع بني آدم لزم أن يتعبدوا بشرعنا وهو محال ﴿اتَّقُوا رَبَّكُمُ﴾ في حفظ ما بينكم من الحقوق وما يجب وصله ومراعاته ولا تضيعوه ولا تقطعوا ما أمرتم بوصله ﴿الَّذِى خَلَقَكُم﴾ أي قدر خلقكم حالاً بعد حال على اختلاف صوركم وألوانكم ﴿مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ أي من أصل واحد وهو نفس آدم أبيكم وعقب الاتقاء بمنة الخلق كيلا يتقي إلا الخالق وبين اتحاد الأب فإن في قطع التزاحم حضاً على التراحم ﴿وَخَلَقَ مِنْهَا﴾ أي من تلك النفس يعني من بعضها ﴿زَوْجَهَا﴾ أمكم حواء بالمد من ضلع من أضلاعه اليسرى.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٥٩
ـ روي ـ أن الله تعالى لما خلق آدم عليه السلام وأسكنه الجنة ألقى عليه النوم فبينما هو بين النائم واليقظان خلق حواء من قصيراه فلما انتبه وجدها عنده فمال إليها ألفها لأنها كانت مخلوقة من جزء من أجزائه وأخرت حواء في الذكر وإن كانت مقدمة في الخلق لأن الواو لا ترتيب فيها ﴿وَبَثَّ﴾ أي فرق ونشر ﴿مِّنْهُمَا﴾ من تلك النفس وزوجها المخلوقة بطريق التوالد والتناسل ﴿رِجَالا كَثِيرًا﴾ تذكيره للحمل على الجمع والعدد ﴿وَنِسَآءً﴾ أي بنين وبنات كثيرة.
واكتفى بوصف الرجال بالكثرة عن وصف النساء بها إذ الحكمة تقتضي أن يكون أكثر.
وترتيب الأمر بالتقوى على هذه القصة لأن المراد به تمهيد للأمر بالتقوى فيما يتصل بحقوق أهل منزله وبني جنسه على ما دلت عليه الآيات التي بعدها فكأنه قيل : اتقوا ربكم الذي وصل بينكم حيث جعلكم صنواناً متفرعة من أرومة واحدة فيما يجب لبعضكم على بعضكم على بعض من حقوق المواضلة التي بينكم فحافظوا عليها ولا تغفلوا عنها ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ أي لا تقطعوا في الدين والنسب أغصاناً تتشعب من جرثومة واحدة ﴿الَّذِى تَسَآءَلُونَ بِهِ﴾ فيما بينكم حيث يقول بعضكم لبعض اسألك بالله ﴿وَالارْحَامَ﴾ أي يسأل بعضكم بعضاً بالله فيقول بالله فيقول : بالله وبالرحم وأناشدك الله والرحم افعل كذا على سبيل الاستعطاف وجرت عادة العرب على أن أحدهم إذا استعطف غيره يقرن الرحم في السؤال والمناشدة بالله ويستعطف به.
فقوله والأرحام بالنصب عطف على محل الجار والمجرور كقولك مررت بزيد وعمراً أو على الله أي اتقوا الله واتقوا الأرحام فصلوها ولا تقطعوها وقد نبه سبحانه إذ قرن الأرحام باسمه على أن صلتها بمكان منه وعنه صلى الله عليه وسلّم "الرحم معلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله" وقال صلى الله عليه وسلّم "ما من عمل حسنة أسرع
١٥٩
ثواباً من صلة الرحم وما من عمل سيئة أسرع عقوبة من البغي" فينبغي للعباد مراعاة الحقوق لأن الكل أخ لأب وأم هما آدم وحواء سيما المؤمنين لأن فيهم قرابة الإيمان والدين وكذا الحال في قرابة الطين ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ الرقيب هو المراقب الذي يحفظ عليك جميع أفعالك أي حافظاً مطلعاً على جميع ما يصدر عنكم من الأفعال والأقوال وعلى ما في ضمائركم من النيات مريداً لمجازاتكم بذلك فبين الله تعالى أنه يعلم السر وأخفى إذا كان كذلك فيجب أن يكون المرء حذراً خائفاً فيما يأتي ويذر.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٥٩
واعلم أن التقوى هي العمدة وهي سبب الكرامة العظمى في الدنيا والعقبى.


الصفحة التالية
Icon