سورة المائدة
وهي مائة وعشرون آية كلها مدنية إلا ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ الآية فإنها نزلت بعرفة عام حجة الوداع
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٣٥
يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} الوفاء هو القيام بمقتضى العهد وكذلك الإيفاء يقال وفى بالعهد وفاء وأوفى به إيفاء إذا أتى ما عهد به ولم يغدر والنقل إلى باب افعل لا يفيد سوى المبالغة والعقد هو العهد الموثق المشبه بعقد الحبل ونحوه والمراد بالعقود : ما يعم جميع ما ألزمه الله تعالى عباده وعقده عليهم من التكاليف والأحكام الدينية وما يعقدونه فيما بينهم من عقود الأمانات والمعاملات ونحوها مما يجب الوفاء به أو يحسن ديناً إن حملنا الأمر على معنى يعم الوجوب والندب.
واحتج أبو حنيفة رحمه الله بهذه الآية على أن من نذر صوم يوم العيد أو ذبح الولد يجب عليه أن يصوم يوماً يحل فيه الصوم ويذبح ما يحل أن يتقرب بذبحه لأنه عهد وألزم نفسه ذلك فوجب عليه الوفاء بما صح الوفاء به.
واحتج بها أيضاً على حرمة الجمع بين الطلقات لأن النكاح من العقود فوجب أن يحرم رفعه لقوله تعالى :﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ وقد ترك العمل بعمومه في حق الطلقة الواحدة بالإجماع فبقي فيما عداه على الأصل وفي الحديث "ما ظهر الغلول في قوم إلا ألقى الله في قلوبهم الرعب ولا فشا الزنى في قوم إلا كثر فيهم
٣٣٦
الموت ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا قطع عنهم الرزق ولا حكم قوم بغير حق إلا فشا فيهم الدم ولا ختر قوم بالعهد إلا سلط الله عليهم العدو".
هركه أونيك ميكند يابد
نيك وبد هره ميكند يابد
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٣٦
ثم أنه تعالى لما أمر المؤمنين بأن يوفوا جميع ما أوجبه عليهم من التكاليف شرع في ذكر التكاليف مفصلة فبدأ بذكر ما يحل ويحرم من المطعومات فقال عز وجل من قائل :﴿أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الانْعَامِ﴾ البهيمة كل ذات أربع وإضافتها إلى الأنعام للبيان كثوب الخز وأفرادها لإرادة الجنس أي أحل لكم أكل البهيمة من الأنعام وهي الإبل والبقر والضأن والمعز وذكر كل واحد من هذه الأنواع الأربعة زوج بإنثاه وأنثاه زوج بذكره فكان جميع الأزواج ثمانية بهذا الاعتبار من الضأن اثنين ومن المعز ثنين ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين على التفصيل المذكور في سورة الأنعام فالبهيمة أعم من الأنعام لأن الأنعام لا تتناول غير الأنواع الأربعة من ذوات الأربع وألحق بالأنعام الظباء وبقر الوحش ونحوهما ﴿إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ استثناء من بهيمة الأنعام بتقدير المضاف أي إلا محرم ما يتلى عليكم أي إلا الذي حرمه المتلو من القرآن من قوله تعالى :﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ بعد هذه الآية أو بتقدير نائب الفاعل أي إلا ما يتلى عليكم فيه آية كريمة ﴿غَيْرَ مُحِلِّى الصَّيْدِ﴾ الصيد بمعنى المصدر أي الاصطياد في البر أو المفعول أي أكل صيده بمعنى مصيده وهو نصب على الحالية من ضمير لكم ومعنى عدم إحلالهم له تقرير حرمته عملاً واعتقاداً وهو شائع في الكتاب والسنة ﴿وَأَنتُمْ حُرُمٌ﴾ أي محرمون حال من الضمير في محلي.
والحرم : جمع حرام بمعنى محرم يقال : أحرم فلان إذا دخل في الحرم أو في الإحرام وفائدة تقييد إحلال بهيمة الأنعام بما ذكر من عدم إحلال الصيد حال الإحرام إتمام النعمة وإظهار الامتنان بإحلالها بتذكير احتياجهم إليه فإن حرمة الصيد في حالة الإحرام من مظان حاجتهم إلى إحلال غيره حينئذٍ كأنه قيل : أحلت لكم الأنعام مطلقاً حال كونكم ممتنعين عن تحصيل ما يغنيكم عنها في بعض الأوقات محتاجين إلى إحلالها.
﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ من تحليل وتحريم على ما توجبه الحكمة ومعنى الإيفاء بهما الجريان على موجبهما عقداً وعملاً والاجتناب عن تحليل المحرمات وتحريم المحللات.