تفسير سورة الرعد
وهي مدنية وقيل مكية إلا قوله : ولا يزال الذين
كفروا وقوله : ويقول الذين كفروا وآيها خمس وأربعون
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٣٣
المر في كلام الشيخ محيي الدين بن العربي قدس سره في قوله تعالى : وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن الشعر محل للإجمال واللغز والتورية، أي وما رمزنا لمحمد شيئاً ولا لغزنا ولا خاطبناه بشيء ونحن نريد شيئاً، ولا أجملنا له الخطاب حيث لم يفهمه وأطال في ذلك، وهل يشكل على ذلك الحروف المقطعة في أوائل السور ولعله رضي الله عنه لا يرى أن ذلك من المتشابه أو أن المتشابه ليس مما استأثر الله بعلمه كذا في إنسان العيون.
قال ابن عباس : معناه أنا الله أعلم وأرى ما لا يعلم الخلق وما لا يرى من فوق العرش إلى ما تحت الثرى، فتكون الألف واللام مختصرتين من أنا الله الدالين على الذات والميم والراء من أعلم وارى الدالين على الصفة.
وقال الكاشفي :(الف آلاي اوست ولام لطف بي منتهاي أو وميم ملك بي زوال وراء رأفت بركمال) فتكون كل واحدة منها مختصرة من الكلمات الدالة على الصفات الإلهية.
وفي التبيان الألف الله واللام جبريل والميم محمد والراء الرسل، أي : أنا الله الذي أرسل جبريل إلى محمد بالقرآن وإلى الرسل بغيره من الكتب الإلهية والصحف الربانية.
وقال ابن
٣٣٤
الشيخ : الظاهر أن المر مستقل والتقدير هذه السورة مسماة بألمر تلك أي آيات هذه السورة آيات الكتاب أي القرآن.
وفي التأويلات إن حروف المر آيات القرآن.
فبالألف يشير إلى قوله : الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم}(البقرة : ٢٥٥) الآية.
وباللام يشير إلى قوله :﴿لَّه مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالارْضِ﴾ (الزمر : ٦٣) وبالميم إلى قوله :﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ (الفاتحة : ٤) وبالراء إلى قوله :﴿رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالارْضِ﴾ (الزخرف : ٨٢) كما أن ق إشارة إلى ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ (ا"خلاص : ١) وهو مرتبة الأحدية التي هي التعين الأول.
وص إشارة إلى ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ (الإخلاص : ٢) وهو مرتبة الصمدية التي هي التعين الثاني ﴿وَالصَّافَّاتِ صَفًّا﴾ (الصافات : ١٠) إشارة إلى التعينات التابعة له ﴿وَالَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ﴾ أي : القرآن وهو مبتدأ خبره قوله الحق ليس كما يقول المشركون إنك تأتي به من قبل نفسك باطلاً فالإيمان به والعمل بأحكامه واجب فمن اعتصم به وهو حبل الله ينجيه من الأسفل الذي هبط إليه بقوله : اهبطوا منها}(البقرة : ٣٨).
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٣٤
واعلم أن المنزل من عند الله أعم من الحكم المنزل صريحاً كالأحكام الثابتة بصريح نص القرآن ومن الحكم المنزل ضمناً كالتي تثبت بالسنة والإجماع والقياس فالكل حق ﴿وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ﴾ بالقرآن ويجحدون بحقيته وأنه حبل من الله يوصل المعتصم به إليه، لإفراطهم في العناد، وخروجهم عن طريق السداد، وعدم تفكرهم في معانيه وإحاطتهم بما فيه، وكفرهم به لا ينافي كونه حقاً منزلاً من عند الله تعالى فإن الشمس شمس وإن لم يرها الضرير والشهد شهد وإن لم يجد طعمه المرور والتربية إنما تفيد المستعد والقابل دون المنكر والباطل.
قال المولى الجامي :
هي سودى نكند تر بيت نا قابل
كره بر تر نهى از خلق جهان مقدارش
سبز وخرم نشود از نم باران هركز
خار خشكى كه نشاني بسر ديوارش
ثم بين دلائل ربوبيته واحديته بقوله :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٣٤
﴿اللَّهِ﴾ مبتدأ خبره قوله : الذي رفع السموات خلقها مرفوعة بينها وبين الأرض مسيرة خمسمائة عام لا أن تكون موضوعة فرفعها.
بغير عمد بالفتح جمع عماد أو عمودو هو بالفارسية (استون) حال من السموات، أي رفعها خالية من عمد وأساطين ترونها الضمير راجع إلى عمد والجملة صفة لها، أي خالية من عمد مرئية وانتفاء العمد المرئية يحتمل أن يكون لانتفاء العمد والرؤية جميعاً، أي لا عمد لها فلا ترى، ويحتمل أن يكون لانتفاء الرؤية فقط بأن يكون لها عماد غير مرئي وهو القدرة، فإنه تعالى يمسكها مرفوعة بقدرته فكأنها عماد لها، أو العدل، لأن بالعدل قامت السموات، أي العلويات والسفليات.
آسمان وزمين بعدل باست
شد زشاهان بغير عدل نخاست
كر نباشد ستون خيمه بجاي
كي بود خيمه بي ستون براي
ويجوز أن يكون ترونها جملة مستأنفة فالضمير راجع إلى السموات، كأنه قيل ما الدليل على أن السموات مرفوعة بغير عمد فأجيب بأنكم ترونها غير معمودة ثم استوى على العرش ثم لبيان تفاضل الخلقن وتفاوتهما، فإن العرش أفضل من السموات، لا للتراخي في الوقت لتقدمه عليها والاستواء في اللغة بالفارسية (راست بيستادن) والعرش سرير الملك وهو هنا مخلوق عظيم موجود
٣٣٥
هو أعظم المخلوقات وتحته الماء العذب كما قال تعالى : وكان عرشه على الماء}(هود : ٧) وهو بحر عظيم لا يعلم مقدار عظمته إلا الله، والمعنى على ما في "بحر العلوم" ثم أوفى على العرش يقال أوفى على الشيء إذا أشرف عليه أي اطلع عليه من فوق، وفي الحديث :"إن الله كبس عرصة جنة الفردوس بيده ثم بناها لبنة من ذهب مصفى ولبنة من مسك مذرى، وغرس فيها من كل طيب الفاكهة وطيب الريحان وفجر فيها أنهارها ثم أو في ربنا على عرشه فنظر إليها فقال وعزتي وجلالي لا يدخلك مدمن خمر، ولا مصرّ على زنى، ولا ديوث، ولاقتات، ولاقلاع، ولا جياف، ولا ختار".
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٣٥
وقال البيضاوي :﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ بالحفظ والتدبير فالاستواء على العرش عبارة عن الاستيلاء على الملك والتصرف فيما رفعه بلا عمد، يقال : استوى فلان على العرش إذا ملك وإن لم يقعد عليه البتة.