سورة الكهف
وهي مائة وإحدى عشرة آية مكية وقيل إلا قوله ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ﴾ الآية"
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢١٣
﴿الْحَمْدُ﴾ اللام للاستحقاق أي : هو المستحق للمدح والثناء والشكر كله لأن كل وجود شيء نعمة من نعمه فلا منعم إلا هو.
قال القيصري رحمه الله الحمد قولي وفعلي وحالي أما القولي فحمد اللسان وثناؤه عليه بما أثنى به الحق على نفسه على لسان أنبيائه عليهم السلام وأما الفعلي فهو الإتيان بالأعمال البدنية من العبادات والخيرات ابتغاء لوجه الله تعالى وتوجهاً إلى جنابه الكريم لأن الحمد كما يجب على الإنسان باللسان كذلك يجب عليه بحسب مقابلة كل عضو بل على كل عضو كالشكر وعند كل حال من الأحوال كما قال النبي عليه السلام :"الحمدعلى كل حال" وذلك لا يمكن إلا باستعمال كل عضو فيما خلق لأجله على الوجه المشروع عبادة للحق تعالى وانقياداً لأمره لا طلباً لحظوظ النفس ومرضاتها وأما الحالي : فهو يكون بحسب الروح والقلب كالاتصاف بالكمالات العلمية والعملية والتخلق بالأخلاق الإلهية لأن الناس مأمورون بالتخلق
٢١٤
بلسان الأنبياء صلوات الله عليهم لتصير الكمالات ملكة نفوسهم وذواتهم وفي الحقيقة هذا حمد الحق نفسه في مقامه التفصيلي المسمى بالمظاهر من حيث عدم مغايرتها له وإما حمده ذاته في مقامه الجمعي الإلهي قولاً فهو ما نطق به في كتبه وصحفه من تعريفاته نفسه بالصفات الكمالية وفعلاً فهو إظهار كمالاته الجمالية والجلالية من غيبه إلى شهادته ومن باطنه إلى ظاهره ومن علمه إلى عينه في مجالي صفاته ومحال آيات أسمائه وحالاً فهو تجلياته في ذاته بالفيض الاقدس الأولى وظهور النور الأزلي فهو الحامد والمحمود جمعاً وتفصيلاً، قال المولى الجامي :
آنجا كه كمال كبرياى تو بود
عالم نمى از بحر عطاى توبود
ما راه حد حمد وثناى توبود
هم حمد وثناى تو سزاى توبود
﴿الَّذِى أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ﴾ محمد الذي يستأهل أن يكون عبداً مطلقاً حقيقياً حراً عن جميع ما سوى الله ولذا يقول :"أمتي أمتي" يوم يقول كل نبي نفسي نفسي وفيه إشعار بأن شأن الرسول أن يكون عبداً للمرسل لا كما زعمت النصارى في حق عيسى عليه السلام :﴿الْكِتَابُ﴾ أي : القرآن الحقيق باسم الكتاب وهو في اللغة جمع الحروف ورتب استحقاق الحمد على إنزاله تنبيهاً على أنه من أعظم نعمائه إذ فيه سعادة الدارين ﴿وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ﴾ أي : القرآن ﴿عِوَجَا﴾ (يزى ازكى) أي : شيئاً من العوج بنوع اختلال في النظم وتناف في المعنى أو عدول عن الحق إلى الباطل واختار حفص عن عاصم السكت على عوجاً وهو وقفة لطيفة من غير تنفس لئلا يتوهم أن ما بعده صفة له واختار السكت أيضاً على مرقدنا إذ لا يحسن القطع بالكلية بين مقوليهم ولا الوصل لئلا يتوهم أن هذا إشارة إلى مرقدنا فافهم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢١٤
﴿قَيِّمًا﴾ انتصابه بمضمر تقديره جعله قيماً أي : مستقيماً معتدلاً لا إفراط فيه ولا تفريط وقيماً بالمصالح الدينية والدنيوية للعباد فيكون وصفاً له بالتكميل بعد وصفه بالكمال والقيم والقيوم والقيام بناء مبالغة للقائم.
قال الكاشفي :(در تأويلات آورده كه ضمير له راجع بعبداست ومعنى آنكه نداد بنده خودرا ميل بغير خود وكردانيد اورا مستقيم در جميع أحوال) ﴿لِّيُنذِرَ﴾ أي : أنزل لينذر الكتاب أو محمد بما فيه الذين كفروا ﴿بَأْسًا﴾ عذاباً ﴿شَدِيدًا﴾ صادراً ﴿مِّن لَّدُنْهُ﴾ من عنده تعالى نازلاً من قبله بمقابلة كفرهم وتكذيبهم وهو إما عذاب الاستئصال في الدنيا أو عذاب النار في العقبى أو كلاهما وإنما قال من لدنه لأنه هو المعذب دون الغير ﴿وَيُبَشِّرَ﴾ (مزده دهد) ﴿الْمُؤْمِنِينَ﴾ المصدقين ﴿الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ﴾ أي : الأعمال الصالحة وهي ما كانت لوجه الله تعالى ﴿أَنَّ لَهُمْ﴾ أي : بأن لهم في مقابلة إيمانهم وأعمالهم المذكورة ﴿أَجْرًا حَسَنًا﴾ هو الجنة وما فيها من النعيم ﴿مَّاكِثِينَ﴾ حال من ضمير لهم ﴿فِيهِ﴾ أي : في ذلك الأجر ﴿أَبَدًا﴾ من غير انقطاع وانتهاء وتغير حال نصب على الظرفية لماكثين وتقديم الإنذار على التبشير لتقدم التخلية على التحلية.
﴿وَيُنذِرَ﴾ أيضاً خاصاً ﴿الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا﴾ كاليهود والنصارى وبني مدلج من كفار العرب.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢١٤
﴿مَّا لَهُم بِهِ﴾ أي : باتخاذه تعالى ولداً ﴿مِنْ عِلْمٍ وَلا لابَآااِهِمْ﴾ الذين قلدوهم في ذلك يعني لا يقتضي العلم أن يتخذ الله ولداً لاستحالته في نفسه وإنما قالوا بالجهل من غير فكر ونظر فيما يجوز على الله ويمتنع ومن علم مرفوع على
٢١٥