سورة الأنبياء
مائة واثنتا عشرة آية مكية
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٥٠
﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ﴾ يقال قرب الشيء واقترب إذا دنا وقربت منه ولذا قال في "العيون" : اللام بمعنى من وهي متعلقة بالفعل وتقديمها على الفاعل للمسارعة إلى إدخال الروعة فإن نسبة الاقتراب إليهم من أول الأمر مما يسوؤهم ويورثهم رهبة وانزعاجاً من المقترب والمراد بالناس المشركون المنكرون للبعث من أهل مكة كما يفصح عنه ما بعده من الغفلة والإعراض ونحوهما.
والحساب بمعنى المحاسبة وهو إظهار ما للبعد وما عليه ليجازي على ذلك والمراد باقتراب حسابهم اقترابه في ضمن اقتراب الساعة وسمي يوم القيامة بيوم الحساب تسمية للزمان بأعظم ما وقع فيه وأشده وقعاً في القلوب فإن الحساب هو الكاشف عن حال المرء ومعنى اقترابه لهم تقاربه ودنوه منهم بعد بعده عنهم فإنه في كل ساعة من ساعات الزمان أقرب إليهم من الساعة السابقة مع أن ما مضى أكثر مما بقي وفي الحديث "أما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس" وإنما لم يعين الوقت لأن كتمانه أصلح كوقت الموت.
والمعنى دنا من مشركي قريش وقت محاسبة الله إياهم على أعمالهم السيئة الموجبة للعقاب يعني القيامة.
وقال الكاشفي نقلاً عن بعض (نزديك شد وقت مؤاخذت وياد داشت ايشان كه قتل وكر فتارىء روز بدرست).
يقول الفقير : هذا هو الأظهر عندي لأن زمان الموت متصل بزمان القيامة فاقتراب وقت مؤاخذتهم بالقتل ونحوه في حكم اقتراب وقت محاسبتهم بالقيامة ومثله من مات فقد قامت قيامته ﴿وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ﴾ الغفلة سهو يعتري من قلة التحفظ والتيقظ أي : والحال أنهم في غفلة تامة من الحساب على النقير والقطمير والتأهب له ساهون عنه بالكلية لا أنهم غير مبالين مع اعترافهم بإتيانه بل منكرون له كافرون به مع اقتضاء عقولهم لأن الأعمال لا بد لها من الجزاء وإلا لزم التسوية بين المطيع والعاصي وهي بعيدة عن مقتضى الحكمة والعدالة ﴿مُّعْرِضُونَ﴾ عن الإيمان والآيات والنذر المنبهة لهم من سنة الغفلة يقال أعرض أي : ولى مبدياً عرضه أي : ناحيته وهما خبران للضمير وحيث
٤٥١
كانت الغفلة أمراً جبلياً لهم جعل الخبر الأول ظرفاً منبئاً عن الاستقرار بخلاف الإعراض والجملة حال من الناس.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٥١
وفي "التأويلات النجمية" : وإذا نصحهم ناصح واقف على أحوالهم فهم معرضون عن استماع قوله ونصيحته كما قال :﴿وَلَاكِن لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ﴾ (الأعراف : ٧٩)، قال الشيخ سعدي :
كسى راكه ندار در سر بود
مندار هركز كه حق بشنود
زعلمش ملال آيداز وعظننك
شقائق بباران زويد زسنك