سورة الحج
مكية إلا ست آيات من ﴿هَاذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِى رَبِّهِمْ﴾ وهي ثمان وسبعون آية
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٣١
يا اأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} أي : أحذروا من عقوبة مالك أموركم ومربيكم بطاعته ﴿إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ﴾ الزلزلة التحريك الشديد بطريق التكرير كما يدل عليه تكرير الحروف لأن زلزل مضاعف زل والساعة عبارة عن القيامة سميت بذلك لسرعة حسابها كما في المفردات.
اختلف العلماء في وقت هذه الزلزلة.
فقال بعضهم : تكون في الدنيا قبيل طلوع الشمس من مغربها فيكون الذهول والوضع الإتيان على حقيقتهما.
وقال بعضهم : تكون يوم القيامة فيحملان على التمثيل والأظهر ما قال ابن عباس رضي الله عنهما : أن زلزلة الساعة قيامها فيكون معناها أن الزلزلة الواقعة عند قيام الساعة شيء عظيم لا يحيط به الوصف فلا بد من التقوى لتخليص النفس من العذاب.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٣١
﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا﴾ منتصب بما بعده أي : وقت رؤيتكم تلك الزلزلة ﴿تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ﴾ الذهول الذهاب عن الأمر مع دهشة والمرضعة المرأة المباشرة للإرضاع بالفعل وبغير التاء هي التي من شأنها الإرضاع لكن لم تلابس الفعل ومثلها حائض وحائضة والتعبير عن الطفل بما دون من لتأكيد الذهول وكونه بحيث لا يخطر ببالها أنه ماذا أي تغفل مع حيرة عما هي بصدد إرضاعه من طفلها الذي ألقمته ثديها اشتغالاً بنفسها وخوفاً : وبالفارسية (غافل شود وفراموش كندازهيبت آن هر شير دهنده ازان فرزندى كه ويرا شيرميدهابا وجود مهربانىء مرضعه بررضيع) أي لو كان مثلها في الدنيا لذهلت المرضعة عما أرضعته لغير فطام وكذا قوله
تعالى :﴿وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا﴾ أي تلقى وتسقط جنينها لغير تمام من شدة ما غشيها والحمل بالفتح ما كان في البطن أو على رأس الشجر وبالكسر ما كان على الظهر.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى مواد الأشياء فإن لكل شيء مادة هي ملكوته ترضع رضيعها من الملك وذهولها عنه بهلاك استعدادها للإرضاع وذات حمل هي ما تسمى هيولى فإنها حامل بالصور أي تسقط حمل الصور الشهادية إملاك الهيولى.
﴿وَتَرَى النَّاسَ﴾ أهل الموقف ﴿سُكَارَى﴾ جمع سكران، أي كأنهم سكارى وأفراد الخطاب هنا بعد جمعه في ترونها لأن الزلزلة يراها الجميع لكونها أمراً مغايراً للناس بخلاف الحالة القائمة بهم من أثر السكر فإن كل أحد لا يرى إلا ما قام بغيره والسكر حالة تعرض بين المرء وعقله وأكثر ما يستعمل ذلك في الشراب وقد يعتري من الغضب والعشق ولذا قال الشاعر :
سكران سكر هوى وسكر مدامة
ومنه سكرات الموت.
قال جعفر رضي الله عنه : أسكرهم ما شاهدوا من بساط العز والجبروت وسرادق الكبرياء حتى ألجأ النبيين إلى أن قالوا نفسي نفسي.
دران روز كزفعل رسند وقول
اواوا العزم راتن بلرزد زهول
بجابي كه دهشت خورد انبيا
توعذر كنه راه داري بيا
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢
﴿وَمَا هُم بِسُكَارَى﴾ حقيقة.
قال الكاشفي :(زيرا زوال عقل ازخوف وحيرت سكر نباشد واكر رأي العين مانند سكر نمايد) وفيه إشارة إلى أن الصور الأخروية وإن كانت مثل الصور الدنيوية في ظاهر النظر لكن بين الحقيقتين تخالف ولذا قال ابن عباس رضي الله عنهما : لا يشبه شيء مما في الجنة شيء مما في الدنيا إلا بالاسم.
واعلم أن السكر من أنواع شتى.
فمن شراب الغفلة والعصيان.
ومن حب الدنيا وشهواتها.
ومن التنعيم.
ومن لذة العلم ومن الشوق.
ومن المحبة.
ومن الوصال.
ومن المعرفة.
ومن المحبية والمحبوبية كما قال بعضهم :
لي سكرتان وللندمان واحدة
شيء خصصت به من بينهم وحدي
﴿وَلَاكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ فغشيهم هوله وطير عقولهم وسلب تمييزهم وللعذاب نيران نار جهنم ونار القطيعة والفراق ونار الاشتياق ونار الفناء في النار والبقاء بالنار كقوله تعالى :﴿أَنا بُورِكَ مَن فِى النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ (النحل : ٨) وكانت استغاثة النبي عليه السلام بقوله :"كلميني يا حميراء" من فوران هذه النار وهيجانها والله اعلم.