سورة النور
وهي مدنية اثنتان أو أربع وستون آية
قال القرطبي : مقصود هذه السورة ذكر أحكام العفاف والستر كتب عمر رضي الله عنه إلى الكوفة علموا نساءكم سورة النور وقالت عائشة رضي الله عنها : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لا "تنزلوهن" أي : النساء "في الغرف ولا تعلموهن الكتابة وعلموهن سورة النور والغزل".
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١١٢
(سورة) سورة القرآن طائفة منه محيطة بما فيها من الآيات والكلمات والعلوم والمعارف مأخوذة من سورة المدينة وهو حائطها المشتمل عليها وهي خبر مبتدأ محذوف، أي هذه سورة وإنما أشير إليها مع عدم سبق ذكرها لأنها باعتبار كونها في شرف الذكر في حكم الحاضر المشاهد والتنكير مفيد للفخامة من حيث الذات كما أن قوله تعالى :﴿أَنزَلْنَاهَا﴾ مفيد لها من حيث الصفة أي أنزلناها من عالم القدس بواسطة جبريل.
﴿وَفَرَضْنَاهَا﴾ أي : أوجبنا ما فيها من الأحكام إيجاباً قطعياً فإن أصل الفرض قطع الشيء الصلب والتأثير فيه كقطع
١١٣
الحديد والفرض كالإيجاب لكن الإيجاب يقال اعتباراً بوقوعه وثباته والفرض بقطع الحكم فيه كما في "المفردات".
﴿وَأَنزَلْنَا فِيهَآ﴾ أي : في تضاعيف السورة.
﴿ءَايَات﴾ هي الآيات التي نيطت بها الأحكام المفروضة كما هو الظاهر لا مجموع الآيات.
﴿بَيِّنَاتٍ﴾ واضحات دلالاتها على أحكامها وتكرير أنزلنا مع استلزام إنزال السورة لانزالها لإبراز كمال العناية بشأنها.
﴿لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (شايدكه شماند ذيريد واز محارم رهيزيد) وهو بحذف إحدى التاءين أي تتذكرونها فتعملون بموجبها عند وقوع الحوادث الداعية إلى إجراء أحكامها وفيه إيذان بأن حقها أن تكون على ذكر منهم بحيث متى مست الحاجة إليها استحضروها.
قال بعضهم لو لم يكن من آيات هذه السورة إلا براءة الصديقة بنت الصديق حبيبة الله لكان كثيراً فكيف وقد جمعت من الأحكام والبراهين ما لم يجمعها غيرها.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١١٣
﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى﴾ شروع في تفصيل ما ذكر من الآيات البينات وبيان أحكامها والزنى وطء المرأة من غير عقد شرعي وقد يقصر وإذا مد يصح أن يكون مصدر المفاعلة والنسبة إليه زنوي كذا في "المفردات" والزانية هي المرأة المطاوعة للزنى الممكنة منه كما ينبىء عنه الصيغة لا المزينة كرهاً وتقديمها على الزاني لما أن زنى النساء من إماء العرب كان فاشياً في ذلك الزمان أو لأنها الأصل في الفعل لكون الداعية فيها أوفر والشهوة أكثر ولولا تمكينها منه لم يقع ورفعها على الابتداء والخبر قوله :﴿فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِا ئَةَ جَلْدَةٍ﴾ والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط إذ اللام بمعنى الموصول والتقدير التي زنت والذي زنى.
والجلد ضرب الجلد بالكسر وهو قشر البدن يقال : جلده نحو بطنه وظهره إذا ضرب وظهره أو معنى جلده ضربه بالجلد نحو عصاه إذا ضربه بالعصا ومائة نصب على المصدر.
والمعنى بالفارسية :(س بزنيد أي أهل بلد وأحكام هربكي را ازان هردو صد تازيانه) وكان هذا عاماً في المحصن وغيره وقد نسخ في حق المحصن قطعاً ويكفينا في حق الناسخ القطع بأنه عليه السلام قد رجم ماعزاً وغيره فيكون من باب نسخ الكتاب بالسنة المشهورة فحد المحصن هو الرجم وحد غير المحصن هو الجلد.
وشرائط الإحصان في باب الرجم ست عند أبي حنيفة : الإسلام والحرية والعقل والبلوغ والنكاح الصحيح والدخول فلا إحصان عند فقد واحدة منها وفي باب القذف الأربع الأول والعفة فمعنى قولهم رجم محصن أي مسلم حر عاقل بالغ متزوج وذو دخول ومعنى قولهم قذف محصناً أي مسلماً حراً عاقلاً بالغاً عفيفاً وإذا فقدت واحدة منها فلا إحصان.
﴿وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ﴾ رحمة ورقة.
وفي "البحر" : الرأفة أرق الرحمة.
وبالفارسية :(مهرباني كردن) وتنكيرها للتقليل أي لا يأخذكم بهما شيء من الرأفة قليل من هذه الحقيقة.
وبالفارسية :(وفرانكير شمارا باين روزنا كننده مهرباني).
﴿فِى دِينِ اللَّهِ﴾ في طاعته وإقامة حده فتعطلوه أو تسامحوا فيه بعدم الإيجاع ضرباً والتكميل حداً وذلك أن المضروب يفعل أثناء الضرب أفعالاً غريبة ويتضرع ويستغيث ويسترحم وربما يغشى عليه فيرأف به الإمام أو الضارب أو بعض الحاضرين لا سيما إذا كان أحب الناس إليه كالولد والأخ مثلاً فلا يستوفي حد الله وحقه ولا يكمل جلد مائة بل ينقصه بترك شيء أو يخفف الضرب
١١٤
فنهاهم الله عن ذلك.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١١٤
وفيه تنبيه على أن الله تعالى إذا أوجب أمراً قبح استعمال الرحمة فيه وفي الحديث :"يؤتى بوالٍ نقص من حد سوطاً فيقال : لم نقصت فيقول : رحمة لعبادك فيقال له : أنت أرحم مني انطلقوا به إلى النار ويؤتى بمن زاد سوطاً فيقال لم زدت فيقول : لينهوا عن معاصيك فيقال له أنت أحكم مني فيؤمر به إلى النار".
قال في "الأسئلة المقحمة" أن الله نهى عن الرأفة والرحمة وعلى هذا إن وجدنا واحداً بقلبه إشفاق على أخيه المسلم حيث وقع في المعصية يؤاخذ بها، والجواب أنه لم يرد الرأفة الجبلية والرحمة الغريزية فإنها لا تدخل تحت التكليف وإنما أراد بذلك الرأفة التي تمنع عن إقامة حدود الله وتفضى إلى تعطيل أحكام الشرع فهي منهي عنها.
قال في "بحر العلوم" : وفيه دلالة على أن المخاطبين يجب عليهم أن يجتهدوا في حد الزنى ولا يخففوا الضرب بل يوجعوها ضرباً وكذلك حد القذف عند الزهري لا حد الشرب وعن قتادة يخفف في حد الشرب والقدف ويجتهد في حد الزنى.
﴿إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاخِرِ﴾ من باب التهييج والتهاب الغضبولدينه فإن الإيمان بهما يقتضي الجد في طاعته والاجتهاد في إجراء الأحكام.