سورة النمل
وهي مكية ثلاث أو أربع وتسعون آية
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٧
﴿طس﴾ هذه طس أي هذه السورة مسماة به.
قال في "التأويلات النجمية" : يشير بطائه إلى طاء طيب قلوب محبيه وبالسين إلى سر بينه وبين قلوب محبيه لا يسعهم فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل.
وأيضاً يقسم بطاء طلب طالبيه وسين سلامة قلوبهم عن طلب ما سواه.
وفي "كشف الأسرار" : الطاء إشارة إلى طهارة قدسه والسين إشارة إلى سناء عزه يقول تعالى : بطهارة قدسي وسناء عزي لا أخيب أمل من أملّ لطفي انتهى.
وقال بعضهم : الطاء طوله أي فضله والسين سناؤه أي علوه وقد سبق في طسم ما يتعلق بهذا المقام فارجع إليه.
وقال عين القضاء الهمذاني قدس سره في مقالاته : لولا ما كان في القرآن من الحروف المقطعات لما آمنت به.
يقول الفقير : قد كفره في قوله هذا كثير من علماء زمانه والأمر سهل على أهل الفهم ومراده بيان اطلاعه على بطون معاني الحروف التي هي دليل لأرباب الحقائق وسبب لمزيد إيمانهم العياني.
﴿تِلْكَ﴾ أي هذه السورة العظيمة الشأن أو آياتها، ﴿طس تِلْكَ﴾ المعروف بعلو الشأن أي بعض منه لمترجم مستقل باسم خاص فهو عبارة عن جميع القرآن أو عن جميع المنزل عند نزول السورة إذ هو المتسارع إلى الفهم حينئذ عند الإطلاق.
﴿وَكِتَابٍ﴾ عظيم الشأن﴿مُّبِينٍ﴾ مظهر لما في تضاعيفه من الحكم والأحكام وأحوال الآخرة التي من جملتها الثواب والعقاب أو ظاهر إعجازه وصحته على أنه من أبان، يعني بان أي ظهر وعطفه على القرآن كعطف إحدى الصفتين على الأخرى مثل غافر الذنب وقابل التوب أي آيات الكلام الجامع بين القرآنية والكتابية وكونه قرآناً بجهة أنه يقرأ وكتاباً بسبب أنه يكتب وقدم الوصف الأول لتقدم القرآنية على حال الكتابية وآخره في سورة الحج لما أن الإشارة إلى امتيازه عن سائر الكتب بعد التنبيه على انطوائه على كمالات غيره من الكتب أدخل في المدح فإن وصفه بالكتابية مفصح عن اشتماله على صفة كمال الكتب الإلهية فكأنه كلها.
وفي "كشف الأسرار" : القرآن والكتاب اسمان علمان للمنزل على محمد ووصفان لأنه يقرأ ويكتب فحيث جاء بلفظ التعريف فهو العلم وحيث جاء بلفظ النكرة فهو الوصف.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٨
﴿هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أي : حال كون تلك الآيات هادية لهم ومبشرة فأقيم المصدر مقام الفاعل للمبالغة كأنها نفس الهدى.
والبشارة ومعنى هدايتها لهم وهم
٣١٨
مهتدون أنها تزيدهم هدى قال تعالى :﴿وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم﴾ (التوبة : ١٢٤) الآية وأما معنى تبشيرها إياهم فظاهر لأنها تبشرهم برحمة من الله ورضوان وخصهم بالذكر لانتفاعهم به.
﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَواةَ﴾ صفة مادحة للمؤمنين وتخصيصهما بالذكر لأنهما قرينتا الإيمان وقطرا العبادات البدنية والمالية مستتبعان لسائر الأعمال الصالحة.
والمعنى يؤدون الصلاة بأركانها وشرائطها في مواقيتها ويؤتون الصدقة المفروضة للمستحقين.
﴿وَهُم بِالاخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ من تتمة الصلة والواو للحال أي والحال أنهم يصدقون بأنها كائنة ويعلمونها علماً يقيناً.
وبالفارسية :(وحال رنكه إيشان بسراي ديكر بي كمان ميشوند تكرير ضمير إشارت باختصاص إيشانست در تصديق آخرت) أو جملة اعتراضية كأنه قيل : وهؤلاء الذين يؤمنون ويعملون الصالحات هم الموقنون بالآخرة حق الإيمان لا من عداهم فإن تحمل مشاق العبادات إنما يكون لخوف العاقبة والوقوف على المحاسبة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٨
﴿إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالاخِرَةِ﴾ لا يصدقون بالبعث بعد الموت.
﴿زَيَّنَّا لَهُمْ﴾ (آراسته كرديم براي إيشان) ﴿أَعْمَالَهُمْ﴾ القبيحة حيث جعلناها مشتهاة للطبع محبوبة للنفس كما ينبىء عنه قوله عليه السلام :"حفت النار بالشهوات" أي : جعلت محفوفة ومحاطة بالأمور المحبوبة المشتهاة.
واعلم أن كل مشيئة وتزيين وإضلال ونحو ذلك منسوبة إلى الله تعالى بالأصالة وإلى غيره بالتبعية.
ففي الآية حجة قاطعة على المعتزلة والقدرية.
﴿فَهُمْ يَعْمَهُونَ﴾ يتحيرون ويترددون على التجدد والاستمرار في الاشتغال بها والانهماك فيها من غير ملاحظة لما يتبعها من الضرر والعقوبة والفاء لترتيب المسبب على السبب.
وبالفارسية (س إيشان سركردان ميشوند در ضلالت خود) والعمه التردد في الأمر من التحير.
﴿أولئك﴾ الموصوفون بالكفر والعمه ﴿الَّذِينَ لَهُمْ سُواءُ الْعَذَابِ﴾ أي في الدنيا كالقتل والأسر يوم بدر.
والسوء كل ما يسوء الإنسان ويغمه ﴿وَهُمْ فِى الاخِرَةِ هُمُ الاخْسَرُونَ﴾ أشد الناس خسراناً لاشترائهم الضلالة بالهدى فخسروا الجنة ونعيمها وحرموا النجاة من النار.


الصفحة التالية
Icon