سورة الدخان
وآياتها تسعة وخمسون
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٩٩
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٠
﴿حم﴾ ؛ أي : بحق ﴿حم﴾، وهي هذه السورة أو مجموع القرآن.
﴿وَالْكِتَابِ﴾ عطف على ﴿حم﴾ إذ لو كان قسماً آخر لزم اجتماع القسمين على مقسم عليه واحد ومدار العطف على تقدير كون ﴿حم﴾ أسماً لمجموع القرآن المغايرة في العنوان ﴿الْمُبِينِ﴾ ؛ أي : البين معانيه لمن أنزل عليهم، وهم : العرب لكونه بلغتهم وعلى أساليبهم، أو المبين لطريق الهدى من طرق الضلالة الموضح لكل ما يحتاج إليه في أبواب الديانة.
وقال بعضهم : بحق الحي القيوم وبحق القرآن الفاصل بين لحق والباطل، فالحاء : إشارة إلى الاسم الحي، والميم إلى الاسم القيوم وهما أعظم الأسماء الإلهية لاشتمالهما على ما يشتمل عليه كل منها من المعاني والأوصاف والحقائق، كما سبق في آية الكرسي.
وفي "عرائس البقلي" : الحاء الوحي الخاص إلى محمد، والميم محمد عليه السلام وذلك ما كان بلا واسطة، فهو سر بين المحب لا يطلع عليه أحد غيرهما، كما قال تعالى :
٤٠٠
﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِه مَآ أَوْحَى﴾ (النجم : ١٠).
وقال بعضهم : حميت المحبين.
يعني :(حمايت كردم دوستان خودرا از توجه بما سوى).
يقول الفقير : ويحتمل أن يكون إشارة إلى حمد الله إلى إنزاله القرآن الذي هو أجل النعم الإلهية فحم مقصور من الحمد.
والمعنى : وحق الحق الذي يستحق الحمد في مقابلة إنزال القرآن.
﴿إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ﴾ ؛ أي : الكتاب المبين الذي هو القرآن، وهو جواب القسم.
﴿فِى لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ﴾ : هي ليلة القدر، فإنه تعالى أنزل القرآن في ليلة القدر من شهر رمضان من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا دفعة واحدة وأملاه جبريل على السفرة، ثم كان ينزله على النبي عليه السلام نجوماً ؛ أي : متفرقاً في ثلاث وعشرين سنة.
والظاهر أن ابتداء تنزيله إلى النبي عليه السلام أيضاً كان في ليلة القدر ؛ لأن ليلة القدر في الحقيقة ليلة افتتاح الوصلة، ولا بد في الوصلة من الكلام والخطاب والحكمة في نزوله ليلاً.
إن الليل زمان المناجاة ومهبط النفحات ويشهد التنزلات ومظهر التجليات ومورد الكرامات ومحل الأسرار إلى حضرة الكبرياء.
وفي الليل فراغ القلوب بذكر حضرة المحبوب، فهو أطيب من النهار عند المقربين والأبرار ووصف الليلة بالبركة لما أن نزول القرآن مستتبع للمنافع الدينية والدنيوية بأجمعها، أو لما فيها من تنزل الملائكة والرحمة، وإجابة الدعوة ونحوها.
وإلا فأجزاء الزمان متشابهة بحسب ذواتها وصفاتها، فيمتنع أن يتميز بعض أجزائه عن بعض بمزيد القدر والشرف لنفس ذواتها وعلى هذا فقس شرف الأمكنة، فإنه لعارض في ذاتها.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٠
قال حضرة الشيخ صدر الدين قدس سره في "شرح الأربعين" : حديثاً وللأزمنة والأمكنة في محو السيئات، وتغليب طرف الحسنات وإمدادها والتكفير والتضعيف مدخل عظيم.
وفي الحديث :"إن الله غفر لأهل عرفات وضمن عنهم التبعات"، وإنه ينزل يوم عرفة إلى السماء الدنيا.
وقد وردت أحاديث دالة على فضيلة شهر رمضان وعشر ذي الحجة وليلة النصف من شعبان، وأن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف.
وفي مسجد النبي عليه السلام بألف.
وفي المسجد الأقصى بخمسمائة.
وكلها دالة على شرف الأزمنة والأمكنة.
انتهى كلامه.


الصفحة التالية
Icon