يقتنع في اليوم والليلة بمرة من الأكل بل يحتاج إلى مرات منها وألا يقع في الاضطراب والذبول والنحول وربما تؤدي قلة الأكل إلى هلاكه كما حكى أن شخصين أحدهما سمين والآخر هزيل حبساً في تهمة ومنع عنهما الغذاء أسبوعاً فبعد الأسبوع تبين أن ليس لهما جرم فإذا السمين قد مات والهزيل حي وذلك لأن من اعتاد الأكل إذا لم يجده هلك.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٠٨
تفسير سورة القمر
وآياتها خمس وخمسون وهي مكية عند الجمهور والله أعلم
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٦١
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٦٢
﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ﴾ الاقتراب نزديك آمدن.
والساعة جزء من أجزاء الزمان عبر بها عن القيامة تشبيهاً لها بذلك لسرعة حسابها أو لأنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا أو لأنها ساعة خفيفة يحدث فيها أمر عظيم أو لغير ذلك كما بين فيما سبق والمعنى دنت القيامة وقرب قيامها ووقوعها لأنه ما بقي من الدنيا إلا قليل كما قال عليه السلام : إن الله جعل الدنيا كلها قليلاً فما بقي منها قليل من قليل ومثل ما بقي مثل التعب أي الغدير شرب صفوه وبقي كدره فالاقتراب يدل على مضي الأكثر ويمضي الأقل عن قريب كما مضى الأكثر وبيانه أنه مضى من يوم السنبلة وهو سبعة آلاف سنة وقد صح أن مدة هذه الأمة تزيد على ألف بنحو أربعمائة سنة إلى خمسمائة سنة ولا يجوز الزيادة إلى خمسمائة سنة بعد الألف لعدم ورود الأخبار في ذلك ولاقتضاء البراهين والشواهد عند أهل الظواهر والبواطن من أهل السنة وقد قال عليه السلام : الآيات بعد المائتين والمهدي بعد المائتين فتنتهي دورة السنبلة بظهور عيسى عليه السلام فيكون آدم فاتحها وعيسى خاتمها فعلى هذا فآدم ونبينا عليهما السلام أي وجودهما من أشراط الساعة كما قال عليه السلام : مثلي ومثل الساعة كفرسي رهان فإذا كان وجوده من أشراط الساعة فمعجزاته من انشقاق القمر ونحوه تكون كذلك.
يقول الفقير : فإن قلت فكم عمر الدنيا بأسرها وما قول العلماء فيه قلت : اتفقوا على حدوث الدنيا وما قطعوا بشيء في مدتها والذي يلوح لي والله أعلم بحقيقة المدة أنها ثلاثمائة وستون ألف سنة وذلك لأنه قد مثل دور السنبلة بجمعة من جمع الآخرة أي سبعة أيام وكل يوم من أيام الآخرة ألف سنة كما قال تعالى وأن يوماً عند ربك كألف سنة ولا شك أن بالجمعة أي الأسبوع يتقدر الشهر وبالشهر تتقدر السنة وعليه يحمل ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة فقد مضى ستة آلاف سنة ومائة سنة وليأتين عليها زمن من سنين ليس عليها من يوحد وقد خاطبت الدنيا آدم عليه السلام فقالت : يا آدم جئت وقد انقضى شبابي يعني انقضى من عمرها ستون ألف سنة تقريباً وهي إجمال ما ذكرنا من المدة ولا شك أن ما بين الستين والسبعين دقاقة الرقاب فآدم إنما جاء إلى الدنيا وقد انقضى عمرها وبقي شيء قليل منها وعلى هذا المعنى يحمل قول من قال أن عمر الدنيا
٢٦٢
سبعون ألف سنة فاعرف جداً فالساعة مقتربة عند الله وعند الناس لأن كل آت قريب وإن طالت مدته فكيف إذا قصرت وأما قوله تعالى إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً فبالنسبة إلى الغافلين المنكرين ولا عبرة بهم والحكمة في ذكر اقتراب الساعة تحذير المكلف وحثه على الطاعة تنبيهاً لعباده على أن الساعة من أعظم الأمور الكونية على خلقه من أهل السموات والأرض وأما تعيين وقت الساعة فقد انفرد الحق تعالى بعلمه وأخفاه عن عباده لأنه أصلح لهم ولذا كان كل نبي قد أنذر أمته الدجال وفي الحديث :"إن بين يدي الساعة كذابين فاحذروهم" والمراد بالكذابين الدجاجلة وهم الأئمة المضلون.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٦٢


الصفحة التالية
Icon