ثم قال والوجه أن يعتقد العبد الدين الذي جاء به محمد عليه السلام ودعا إليه وإليه أناب ولا يدخل في ذلك شيئاً من نظر عقله لا في تنزيه ولا في تشبيه بل يؤمن بكل آية جاءت في ذات الله وصفاته على بابها ويكل علمها إلى الله الذي وصف ذاته بها هذا هو طريق السلامة والدين الصحيح وعلى ذلك كانت الصحابة والسلف الصالحون رضي الله عنهم وإليه ينتهي الراسخون في العلم والعقلاء المحققون عند آخر أمرهم ومن وفقه الله كان عليه وآل نظره إليه ومن بقي على ما أعطاه نظره واجتهاده فليس ذلك بممتبع محمداً عليه السلام فيما جاء به مطلقاً لأنه أدخل فيه حاصل نظره وتأويله واتكل على رأيه وعقله وهذه وصيتي إليكم إن أردتم السلامة وعدم المطالبة ومن أراد غير ذلك لم ينج من السؤال وكان على خطر في المآل لأن القطع بما أراد الله عسير فإنا رأينا العقلاء اختلفت أدلتهم في الله فالمعتزلي يخالف الأشعري وبالعكس وهم يخالفون الحكماء وبالعكس كل طائفة تجهل الأخرى وتكفرها فعلمنا أن سبب ذلك هو اختلاف نظرهم وعدم عثورهم على الدليل الصحيح إما كلهم أو بعضهم ورأينا الأنبياء عليهم السلام لم يختلف منهم إثنان في الله قط عز وجل وكل دعوا إليه تعالى على باب واحد وكان اختلافهم في فروع الأحكام بحكم الله تعالى لا في أصولها قط قال الله تعالى سبحانه شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه فقوله ولا تتفرقوا فيه دليل على اجتماعهم على أمر واحد في الأصول لأنه الفروع معلومة بوقوع الاختلاف فيها وذلك لا يضر وإنما يضر الاختلاف في الأصول إذ لو وقع الاختلاف فيها لما وقع الاتفاق ولكانت الدعوة لا تصح لأن الإله الذي يدعو إليه هذا غير إلا له الذي يدعو ذلك إليه والله تعالى قال : وإلهكم إله واحد وعم الطوائف كلها من آدم عليه السلام بالخطاب وهلم جرا إلى يوم القيامة إلى هنا من كلامه أورده حضرة الشيخ صدر الدين قدس سره في رسالته المعمولة وصية للطالبين وعظة للراغبين.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤١٥
ثم اعلم أن من شرف هذه الأسماء المذكورة في الآخرة ما قال أبو هريرة رضي الله عنه : سألت حبيبي رسول الله عليه السلام عن اسم الله الأعظم فقال : هو في آخر الحشر وفي عين المعاني قال عليه السلام : سألت جبريل عن اسم الله الأعظم فقال : عليك بآخر الحشر فأكثر قراءته فأعدت عليه فأعاد علي وعنه عليه السلام من قال حين يصبح ثلاث مرات أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وقرأ ثلاث آيات من آخر الحشر وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه وفي بعض الروايات
٤٧١
يحرسونه حتى يمسي فإن مات في ذلك اليوم مات شهيداً ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة رواه معقل بن يسار رضي الله عنه وإنما جمع بين استعاذة وقراءة آخر الحشر والله أعلم لأن في الاستعاذة الاشعار بكمال العجز والعبودية وفي آخر الحشر الإقرار بجلال القدرة والعظمة والربوبية فالأول تخلية عن العجب والثاني تخلية بالإيمان الحق وبهما يتحقق منزل قوله تعالى الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة فيترتب عليه قوله تعالى الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا الآية كما في تفسير الفاتحة للمولى الفناري رحمه الله وعن أبي أمامة رضي الله عنه يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم من قرأ خواتيم الحشر من ليل أو نهار فقبض من ذلك اليوم أو الليلة فقد استوجب الجنة وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم من قرأ سورة الحشر لم يبق جنة ولا نار ولا عرش ولا كرسي ولا حجاب ولا السموات السبع والأرضون السبع والهوام والطير والريح والشجر والدواب والجبال والشمس والقمر والملائكة إلا صلوا عليه فإن مات أي من يومه أو ليلته مات شهيداً كما في كشف الأسرار وقوله : مات شهيداً أي يثاب ثواب الشهادة على مرتبة وللشهادة مراتب قد مرت.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤١٥
تفسير سورة الممتحنة
مدنية وآيها ثلاث عشرة
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٧١
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٧٢


الصفحة التالية
Icon