من بيان للكفار أي كائنين منهم أي كما يئس منها الذين ماتوا منهم لأنهم وقفوا على حقيقة الحال وشاهدوا حرمانهم من نعيمها المقيم وابتلاءهم بعذابها الأليم والمراد وصفهم بكمال اليأس منها قال مقاتل : إن الكافر إذا وضع في قبره أتاه ملك شديد الانتهار ثم يسأله من ربك وما دينك ومن نبيك فيقول : لا أدري فيقول الملك أبعدك الله أنظر إلى منزلتك من النار فيدعو بالويل والثبور ويقول هذا لك فيفتح باب الجنة فيقول هذا لمن آمن بالله فلو كنت آمنت بربك نزلت الجنة فيكون حسرة عليه وينقطع رجاؤه ويعلم أنه لا حظ له فيها وييأس من خير الجنة وقيل من متعلقة بيئس فالمعنى كما يئسوا من موتاهم أن يبعثوا ويرجعوا إلى الدنيا أحياء والإظهار في موضع الإضمار للإشعار بعلة يأسهم وهو الكفر والقبر مقر الميت والمقبرة موضع القبور وفي الآية إشارة إلى الأبدان المريضة المعتلة النجسة الخبيثة المظلمة فإن الكفار أيسوا من خروجهم ضيق قبور أخلاقهم السيئة إلى سعة قضاء صفاتهم الحسنة وكذا سائرهم من أهل الحجب الكثيفة ومن أصحاب القبور من حاله على عكس هذا كما أشار النبي عليه السلام بقوله كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وعد نفسك من أصحاب القبور وهم من ماتوا بالاختيار قبل الموت بالاضطرار وذلك بالفناء التام فكانت أجسادهم لأرواحهم كالقبور للموتى نسأل الله الختم بالسعادة بحرمة من له كمال السيادة والدفن في أحب البقاع إليه والقدوم بكمال البشرى عليه والقيام بمزيد الفخر لديه :
خدايا بحق بني فاطمة
كه بر قول ايمان كنم خاتمه
خداوندكار انظركن بجو
كه جرم آيداز بندكان دروجود
ومارا بدنيا توكردى عزيز
بعقبى همين شم داريم نيز
٤٩٢
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٧٢
تفسير سورة الصف
مدنية وقيل مكية وآيها أربع عشرة بلا خلاف
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٩٢
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٩٣
﴿سَبَّحَ﴾ نزهه عن كل ما لا يلق بجنابه العلي العظيم ﴿مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾ من العلويات الفاعلة ﴿وَمَا فِى الأرْضِ﴾ من السفليات القابلة آفاقاً وأنفساً أي سبحه جميع الأشياء من غير فرق بين موجود وموجود كما قال تعالى : وإن من شيء إلا يسبح بحمده ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ الغالب الذي لا يكون إلا ما يريد ﴿الْحَكِيمُ﴾ الذي لا يفعل إلا بالحكمة فلا عزيز ولا حكيم على الإطلاق غيره فلذا يجب تسبيحه قال في كشف الأسرار : من أراد يصفو له تسبيحه فليصف عن آثار نفسه قلبه ومن أراد أن يصفو له في الجنة عيشه فليصف عن أوضار الهوى دينه يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا} إيماناً رسمياً ﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ﴾ روي أن المسلمين قالوا : لو علمنا أحب الأعمال إلى الله تعالى لبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا فلما نزل الجهاد كرهوه فنزلت تعبيراً لهم بترك الوفاء ولم مركبة من اللام الجارة وما الاستفهامية قد حذفت ألفها تخفيفاً لكثرة استعمالهما معاً كما في عم وفيم ونظائرهما معناها لأي شيء تقولون نفعل ما لا تفعلون من الخير والمعروف على أن مدار التعبير والتوبيخ في الحقيقة عدم فعلهم وإنما وجهه إلى قولهم تنبيهاً على تضاعف معصيتهم ببيان أن المنكر ليس ترك الخير الموعود فقط بل الوعد به أيضاً وقد كانوا يحسبونه معروفاً ولو قيل لم لا تفعلون ما تقولون لفهم منه أن المنكر هو ترك الموعود فليس المراد من ما حقيقة الاستفهام لأن الاستفهام من الله محال لأنه عالم بجميع الأشياء بل المراد الإنكار والتوبيخ على أن يقول الإنسان من نفسه ما لا يفعله من الخير لأنه إن أخبر أنه فعل في الماضي والحال ولم يفعله كان كاذباً وإن وعد أن يفعله في المستقبل ولا يفعله كان خلفاً وكلاهما مذموم كما قال في الكشاف هذا الكلام يتناول الكذب وإخلاف الموعد وهذا بخلاف ما إذا وعد فلم يف بميعاده لعذر من الأعذار فإنه لا إثم عليه وفي عرائس البقلى حذر الله المريدين أن يظهروا بدعوى المقامات التي لم يبلغوا إليها لئلا يقعوا في مقت الله وينقطعوا عن طريق الحق بالدعوى بالباطل وأيضاً زجر الأكابر في ترك بعض الحقوق ومن لم يوف بالعهود ولم يأت بالحقوق لم يصل إلى الحق والحقيقة وأيضاً ليس للعبد فعل ولا تدبير لأنه أسير في قبضة العزة يجري عليه أحكام القدرة وتصاريف المشيئة فمن قال فعلت أو أتيت أو شهدت فقد نسي مولاه وادعى ما ليس له ومن شهد من نفسه طاعة كان إلى العصيان أقرب لأن النسيان من العمى.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٩٣


الصفحة التالية
Icon