وفي الأحياء يستحب أن يقول بعد صلاة الجمعة اللهم يا غني يا حميد يا مبدى يا معيد يا رحيم يا ودود أغنني بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك فيقال من دوام على هذا الدعاء أغناه الله تعالى عن خلقه ورزقه من حيث لا يحتسب وفي الحديث من قال يوم الجمعة اللهم أغنني بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك سبعين مرة لم تمر به جمعتان حتى يغنيه الله رواه أنس بن مالك رضي الله عنه :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٥١٢
تفسير سورة المنافقون
إحدى عشرة آية مدنية بلا خلاف
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٥٢٨
﴿إِذَا﴾ ون ﴿جَآءَكَ الْمُنَافِقُونَ﴾ أي حضروا مجلسك وبالفارسية بتو آيند دو رويان.
والنفاق إظهار الإيمان باللسان وكتمان الكفر بالقلب فالمنافق هو الذي يضمر الكفر اعتقاداً ويظهر الإيمان قولاً وفي المفردات النفاق الدخول في الشرع من باب والخروج منه من باب من النافقاء إحدى جحرة اليربوع والثعلب والضب يكتمها ويظهر غيرها فإذا أتى من قبل القاصعاء وهو الذي يدخل منه ضرب النافقاء برأسه فانتفق والنفق هو السرب في الأرض النافذ ﴿قَالُوا﴾ مؤكدين كلامهم بان واللام للإيذان بأن شهادتهم هذه صادرة عن صميم قلوبهم وخلوص
٥٢٩
اعتقادهم ووفور رغبتهم ونشاطهم والظاهر أنه الجواب لإذا لأن الآية نظير قوله تعالى وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا : آمنا وقيل جوابه مقدر مثل أرادوا أك يخدعوك وقيل استئناف لبيان طريق خدعتهم وقيل جوابه قوله فاحذرهم ﴿نَشْهَدُ﴾ الآن أو على الاستمرار ﴿إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ﴾ والشهادة قول صادر عن علم حصل بشهادة بصر أو بصيرة ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ﴾ اعتراض مقرر لمنطوق كلامهم لكونه مطابقاً للواقع ولإزالة إيهام أن قولهم هذا كذب لقوله والله يشهد الخ وفيه تعظيم للنبي عليه السلام وقال أبو الليث والله يعلم أنك لرسوله من غير قولهم وكفى بالله شهيداً محمد رسول الله.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٥٢٩
اعلم أن كل ما جاء في القرآن بعد العلم من لفظة أن فهي بفتح الهمزة لكونها في حكم المفرد إلا في موضعين أحدهما والله يعلم أنك لرسوله في هذه السورة والثاني قد يعلم أنه ليحزنك الذي يقولون في سورة الأنعام وإنما كان كذلك في هذين الموضعين لأنه يأتي بعدهما لام الخبر فانكسرا أي لأن اللام لتأكيد معنى الجملة ولا جملة إلا في صورة المكسورة وقال بعضهم : إذا دخلت لام ابتداء على خبرها تكون مكسورة لاقتضاء لام الابتداء الصدارة كما يقال لزيد قائم وتؤخر اللام لئلا يجتمع حرفاً التأكيد واختير تأخيرها الترجيح إن في التقديم لعامليته فكسرت لأجل اللام ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ﴾ شهادة حقة ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ أي أنهم والإظهار في موضع الإضمار لذمهم والإشعار بعلية الحكم أي لكاذبون فيما ضمنوا مقالتهم من أنها صادرة عن اعتقاد وطمأنينة قلب فإن الشهادة وضعت للاخبار الذي طابق فيه اللسان اعتقاد القلب وإطلاقها على الزور مجاز كإطلاق البيع عن الفاسد نظيره قولك لمن يقول أنا أقرأ الحمدرب العالمين كذبت فالتكذيب بالنسبة إلى قراءته لا بالنسبة إلى المقروء الذي هو الحمدرب العالمين ومن هنا يقال إن من استهزأ بالمؤذن لا يكفر بخلاف من استهزأ بالأذان فإنه يكفر قال بعضهم : الشهادة حجة شرعية تظهر الحق ولا توجبه فهي الاخبار بما علمه بلفظ خاص ولذلك صدق المشهود به وكذبهم في الشهادة بقوله والله يعلم الخ دلت الآية على أن العبرة بالقلب والاخلاص بخلوصه يحصل الخلاص وكان عليه السلام يقبل من المنافقين ظاهر الاسلام واما حكم الزنديق في الشرع وهو الذي يظهر الاسلام ويسر الكفر فإنه يستتاب وتقبل توبته عند أبي ولا تقبل عند أبي حنيفة والشافعي رحمهما الله قال سهل رحمه الله اقروا بلسانهم ولم يعترفوا بقلوبهم فلذلك سماهم الله منافقين ومن اعترف بقلبه وأقر بلسانه ولم يعمل بأركانه ما فرض الله من غير عذر ولا جهل كان كإبليس وسئل حذيفة من المنافق؟ قال : الذي يصف اسلام ولا يعمل به وهم الويم شر منهم لأنهم كانوا يومئذ يكتمونه وهم اليوم يظهرونه وفي الآية إشارة إلى أن المنافقين الذامين للدنيا وشهواتها باللسان المقبلين عليها بالقلب وإن كانوا يشهدون بصحة الرسالة لظهور أنوارها عليهم من المعجزات والكرامات لكنهم كاذبون في شهادتهم لإعراضهم عنه عليه السلام ومتابعته وإقبالهم على الدنيا وشهواتها فحقيقة الشهادة إنما تحصل بالمتابعة وقس عليه شهادة أهل الدنيا عند ورثة الرسول قال الحسن البصري رحمه الله : يا ابن آدم لا يفرنك قول من يقول المرء مع من أحب فإنك لا تلحق الأبرار إلا بأعمالهم فإن اليهود والنصارى
٥٣٠