فمعناه شددنا خلقهم وقال الراغب : إشرة إلى الحكمة في تركيب الإنسان المأمور بتدبرها وتأملها في قوله وفي أنفسكم أفلا تبصرون وقيل وشددنا مخرج البول والغائط إذا خرج الأذى انقبض أو معناه إنه لا يسترخي قب الإرادة ﴿وَإِذَا شِئْنَا﴾ تبديلهم ﴿بَدَّلْنَآ أَمْثَالَهُمْ﴾ أي بدلناهم بأمثالهم بعد إهلاكهم والتبديل يتعدى إلى مفعولين غالباً كقوله تعالى : يبدل الله سيئاتهم حسنات يعني يذهب بها ويأتي بدلها بحسنات ﴿تَبْدِيلا﴾ بديعاً لا ريب فيه وهو البعث كما ينبىء عنه كلمة إذا فالمثلثة في النشأة الأخرى ءٌّما هي في شدة الأسر وباعتبار الأجزاء الأصلية ولا ينافيها الغيرية بحسب العوارض كاللطافة والكثافة وبالفارسية وون خواستيم بدل كنيم ايشانرا بامثال ايشان در خلقت يعني ايشانرا بميرانيم ودر نشأت ثانيه بمانند همين صورت وهيأت مز آريم.
والمعنى وإذا شئنا بدلنا غيرهم ممن يطيع كقوله تعالى :[محمد : ٣٨]﴿وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾ ففيه ترهيب فالمثلثة باعتبار الصورة ولا ينافيها الغيرية باعتبار العمل والطاعة وإذا للدلالة على تحقق القدرة وقوة الداعية وإلا فالمناسب كلمة أن إذ لا تحقق لهذا التبديل.
قال القاشاني : نحن خلقناهم بتعيين استعداداتهم قويناهم باميثاق الأزلي والاتصال الحقيقي وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلاً بأن نسلب أفعالهم بأفعالنا ونمحو صفاتهم بصفاتنا ونفني ذواتهم بذاتنا فيكونوا أبدالاً إن هذه تذكرة} إشارة إلى السورة أو لآيات القريبة أي عظة مذكرة لما لا بد منه في تحصيل السعادة الأبدية جعلت عين التذكرة مبالغة وفي عين المعاني تذكرة أي أذكار بما غفلت عنه عقولهم.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٥٨
وقال الكاشفي) : يا معالمه أهل بيت در بذل وإيثار عبر تيست مؤمناً نراتا بمثل آن عمل كنند واز مثل اين جزاها بهره يابند ﴿فَمَنْ﴾ س هركه ﴿شَآءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّه سَبِيلا﴾ أي فمن شاء أن يتخذ إليه تعالى سبيلاً أي وسيلة توصله إلى ثوابه اتخذه أي تقرب إله بالعمل بما في تضاعيفها وقال ابن الشيخ فمن شاء النجاة من ثقل ذلك اليوم وشدته اختار سبيلاً مقربً إلى مرضاة ربه وهو الطاعة ﴿وَمَا تَشَآءُونَ إِلا أَن يَشَآءَ اللَّهُ﴾ تحقيق للحق وببيان أن مجرد مشيئتهم غير كافية في اتخاذ السبيل كما هو المفهوم من ظاهر الشرطية وإن مع الفعل في حكم المصدر الصريح في قيامه مقام الظرف والمعنى وما تشاؤون اتخاذ السبيل ولا تقدرون على تحصيله في وقت من الأوقات إلا وقت مشيئته تعالى تحصيله لكم إذ لا دخل لمشيئته العبد إلا في الكسب وإنما التأثير والخلق لمشيئة الله تعالى غاية ما في الباب إن المشيئة ليست من الأفعال الاختيارية للعبد بل هي متوقفة على أن يشاء الله إياها وذلك لا ينافي كون الفعل الذي تعلقت به مشيئة العبد
٢٧٩
اختيارياً له واقعاً بمشيئته وإن لم تكن مشيئته مستقلة فيه وهو وهو الجبر المتوسط الذي يقول به أهل السنة ويقولون الأمر بين الأمرين أي بين القدر والجبر قال في عين المعاني، قوله تعالى :[المزمل : ١٩-١١]﴿فَمَن شَآءَ﴾.
الخ حجة تكليف العبودية وقوله تعالى : وما تشاؤون.
الخ إظهار قهر الألوهية إن الله كان عليماً حكيماً} بيان لكون مشيئته تعالى مبنية على أساس العلم والحكمة والمعنى إنه تعالى مبالغ في العلم والحكمة فيفعل ما يستأهله كل أحد فلا يشاء لهم إلا ما يستدعيه علمه وتقتضيه حكمته.
قال القاشاني : وما تشاؤون إلا بمشيئتي بأن أريد فتريدون فتكون إرادتكم مسبوقة بإراداتي بل عين إرادتي الظاهرة في مظاهرهم إن الله كان عليماً بما أودع فيم من العلوم حكيماً بكيفيته إيداعها وإبرازها فيهم بإظهار كمالهم ﴿يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِى رَحْمَتِهِ﴾ بيان لأحكام مشيئته امرتبة على علمه وحكمته أي يدخل في رحمته من يشاء أن يدخله فيها وهو الذي يصرف مشئته نحو اتخاذ السبيل إليه تعالى حيث يوفقه لما يؤدي إلى دخول الجنة من الإيمان والطاعة ﴿وَالظَّالِمِينَ﴾ وهم الذين ضربوا مشيئتهم إلى خلاف ما ذكر ﴿أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمَا﴾ أي متناهياً في الإيلام قال الزجاج نصب الظالمين لأن ما قبله منصوب أي يدخل من يشاء في رحمته ويعذب الظالمين ويكون أعدلهم تفسيراً لهذا المضمر وفي الآية إشارة إلى إدخال الله بعض عباده في رحمة معرفته وإما بعض عباده وهم الظالمون الواضعون الضلالة في مقام الهداية والجهالة في مقام المعرفة فإن الله أعدلهم عذاب الحجاب المؤلم للروح والجسم وأيضاً عذاباً بالوقوف على الرب لوقوفهم مع الغير ثم على النار لوقوفهم مع الآثار وختم الله السورة بالعذاب المعد يوم البعث والحشر ففيه حسن الخاتمة لموافقته الفاتحة على ما لا يخفى على أهل النفر والفهم.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٥٨
تفسير سورة المرسلات
خمسون آية مكية استثنى منها وإذا قيل لهم اركعوا الآية
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٧٩