روى أبي بن كعب رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم من قرأ عم يتساءلون سقاء الله برد الشراب يوم القيامة وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال النبي عليه السلام :"تعلموا أسوة عم يتساءلون عن النبأ العظيم، وتعلموا ق والقرآن المجيد والنجم إذا هوى والسماء ذات البروج، والسماء والطارق، فإنكم لو تعلمون ما فيهن لعطلتم ما أنتم عليه وتعلمتموهن وتقربوا إلى الله بهن إن الله يغفر بهن كل ذنب إلا الشرك بالله"، وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، قال : قلت يا رسول الله لقد أسرع إليك الشيب، قال : شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت، الكل في "كشف الأسرار" وفيه إشارة إلى أن من تعلم هذه السور ينبغي له أن يتعلم معانيها أيضاً إذ لا يحصل المقصود إلا به وتصريح بأن هم الآخرة ومطالعة الوعيد واستحضاره يشيب الإنسان ولذا ذم الحبر السمين والقاري السمين از لم يكن سمنياً إلا بالذهول عما قرأه ولو استحضره وهم به لشاب من همه وذاب من غمه لأن الشحم مع الهم لا ينعقد.
قال الشافعي رحمه الله : ما أفلح سمين قط إلا أن يكون محمد بن الحسن فقيل له ولم قال لأنه لا يخلو العاقل من إحدى حالتين إما أن يهم لآخرته ومعاده أو لدنياه ومعاشه والشحم مع الهم لا ينعقد فإذا خلا من المعنيين صار في حد البهائم بعقد الشحم.
٣١٣
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٩٢
تفسير سورة النازعات
خمس أو ست وأربعون آية مكية
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣١٣
﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا﴾ الواو للقسم والقسم يدل على عظم شأن المقسم به ولله تعالى أن يقسم بما شاء من مخلوقاته تنبيهاً على ذلك العظم والنازعات جمع نازعة بمعنى طائفة من الملائكة نازعة فأنثت صفة الملائكة باعتبار كونهم طائفة ثم جمعت تلك الصفة فقيل نازعات بمعنى طوائف من الملائكة نازعات وقس عليه الناشطات نحوه وإلا فكان الظاهر أن يقال والنازعين والناشطين والنزع جذب الشيء من مقره بشدة والغرق مصدر بحذف الزوائد بمعنى الإغراق وهو بالفارسية غرقه كردن وكمان بزور كشيدن.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣١٤
والغرق الرسوب في الماء وفي البلاء فهو مفعول مطلق للنازعات لأنه نوع من النزع فيكون شرطه موجوداً وهو اتفاق المصدر مع عامله والإغراق في النزع التوغل فيه والبلوغ إلى أقصى درجانه يقال أغرق النازع في القوس إذا بلغ غاية المد حتى انتهى إلى النصل أقسم الله بطوائف الملائكة اتي تنزع أرواح الكفار من أجسادهم إغراقاً في النزع يعني جان كافران بستختى نزع ميكنند.
وأيضاً يتزعونها منهم معكوساً من الأنامل والأظفار ومن تحت كل شعرة كما تنزع الأشجار المتفرقة العروق في أطراف الأرض وكما ينزع السفود الكثير الشعب من الصوف المبلول وكما يسلخ جلد الحيوان وهو حي وكما يضرب الإنسان ألف ضربة بالسيف بل أشد والملائكة وهم ملك الموت وأعوانه من ملائكة العذاب يطعنونهم بحربة مسمومة بسم جهنم والميت يظن أن بطنه قد ملىء شوكاً وكأن نفسه تخرج من ثقب أبرة وكأن السماء انطبقت على الأرض وهو بينهما فإذا نزعت نفس الكافر وهي ترعد أشبه شيء بالزئبق على قدر النحلة وعلى صورة عمله تأخذها الزبانية ويعذبونها في القبر وفي سجين وهو العذاب الروحاني ثم إذا قامت القيامة انضم الجسماني إلى الروحاني فقوله :[النازعات : ١، ٢]﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا﴾ إشارة إلى كيفية قبض أرواح الكفار بشهادة مدلول اللفظ ﴿وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا﴾ قسم آخر معنى بطريق العطف والنشط جذب الشيء من مقره برفق ولين ونصب نشطاً على المصدرية اقسم الله بطوائف الملائكة التي تنشط أرواح المؤمنين أي تخرجها من أبدانهم برفق ولين كما تنشط الدار من البئر يقال نشط الدلو من البئر ذا أخرجها وكما تنشط الشعرة من السمن وكما تنسل القطرة من السقاء وهم ملك الموت وأعوانه من ملائكة الرحمة ونفس المؤمن وإن كانت تجذب منأطراف البنان ورؤوس الأصابع أيضاً لكن لا يحس بالألم كما يحس به الكافر وأيضاً نفس المؤمن ليس لها شدة تعلق بالبدل كنفس الكافر لكونها منجذبة إلى عالم القدس وإنما يشتد الأمر على أهل التعلق دون أهل التجرد خصوصاً إذا كان ممن مات بالاختيار قبل الموت وأيضاً حين يجذبونها يدعونها أحياناً حتى تستريح وليس كذلك أرواح الكفار في قبضها لكن ربما يتعرض الشيطان للمؤمن الضعيف اليقين والقاصر في العمل إذا بلغ الروح التراقي فيأتيه في صورة أبيه وأمه وأخيه أو صديقه فيأمره باليهودية
٣١٤
أو النصرانية أو نحو ذلك نسأل الله السلامة.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣١٤


الصفحة التالية
Icon