ويعدى بالباء وعلى ﴿يَتَغَامَزُونَ﴾ أي يغمز بعضهم بعضاً ويشيرون بأعينهم ويعيبونهم ويقولون انظروا إلى هؤلاء يتعبون أنفسهم ويتركون اللذات ويتحملون المشقات لما يرجونه في الآخرة من المثوبات وأمر البعث والجزاء لا يقين به وإنه بعيدك ل البعد والتغامز تفاعل من الغمز وهو الإشارة بالجفن والحاجب ويكون بمعنى العيب أيضاً وفي التاج التغامز يكديكررا بشم اشارت كردن ﴿وَإِذَا انقَلَبُوا﴾ من مجالسهم ﴿إِلَى أَهْلِهِمُ﴾ إلى أهل بيتهم وأصحابهم الجهلة الضالة النابعة لهم والانقلاب الانصراف والتحول والرجوع ﴿انقَلَبُوا﴾ حال كونهم ﴿فَكِهِينَ﴾ متلذذين بذكرهم بالسوء والسخرية منهم وفيه إشارة إلى أنهم كانوا لا يفعلون ذلك بمرأى من المارين ويكتفون حينذٍ بالتغامز ﴿وَإِذَا رَأَوْهُمْ﴾ أي المجرمون المؤمنين أينما كانوا ﴿قَالُوا﴾ مشيرين إلى المؤمنين بالتحقير ﴿إِنَّ هَاؤُلاءِ لَضَآلُّونَ﴾ أي نسبوا المسلمين ممن رأوهم ومن غيرهم إلى الضلال بطريق التأكيد وقالوا تركوا دين آبائهم القديم ودخلوا في الدين الحادث أو قالوا تركوا التنعم الحاضر بسبب طلب ثواب لا يدري هل له وجود أولاً وهذا كما إن بعض غفلة العلماء ينسبون الفقراء السالكين إلى الضلال والجنون خصوصاً إذا كان أهل السلوك من أهل المدرسة فإنهم يضللونه أكثر من تضليل غيره.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٦٣
منعم كنى زعشق وى اي زاهد زمان
معذور دارمت كه تواور انديده
﴿وَمَآ أُرْسِلُوا﴾ أي المجرمون ﴿عَلَيْهِمْ﴾ أي على المسلمين ﴿حَافِظِينَ﴾ حال من واو قالوا أي قالوا ذلك والحال إنهم ما أرسلوا من جهة الله موكلين بهم يحفظون عليهم أمورهم ويهيمنون على أعمالهم ويشهدون برشدهم وضلالهم وإنما أمروا بإصلاح أنفسهم وأي نفع لهم في تتبع
٣٧٣
أحوال غيرهم وهذا تهكم بهم وأشعار بأن ما اجترؤوا عليه من القول من وظائف من أرسل من جهته تعالى وقد جوز أن يكون ذلك من جملة قول المجرمين كأنهم قالوا إن هؤلاء لضالون وما أرسلوا علينا حافظين إنكاراً لصدهم عن الشرك ودعائهم إلى الإسلام وإنما قيل نقلاً له بالمعنى ﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ ءَامَنُوا﴾ أي المعهودون من الفقراء ﴿مِنَ الْكُفَّارِ﴾ المعهودين وهو الأظهر وإن أمكن التعميم من الجانبين ﴿يَضْحَكُونَ﴾ حين يرونهم إذلاء مغلولين وغشيهم فنون الهوان والصغار بعد العز والكبر ورهقهم ألوان العذاب بعد التعم لترفه قال في بعض التفاسير لعل الفاء جواب شرط مقدر كأنه قيل إذا عرفتم ما ذكر فاعلموا إن اليوم أي يوم القيامة فاللام للعهد والذين مبتدأ ومن الكفار متعلق بقوله يضحكون وحرام للوهم أن يتوهم كونه بياناً للموصول نظراً إلى ظاهر الاتصال من غير تفكر في المعنى ويضحكون خبر المبتدأ وهو ناصب اليوم لصحة المعنى ﴿عَلَى الارَآااِكِ﴾ برتختهاى آراسته بادرو ياقوت ﴿يَنظُرُونَ﴾ أي يضحكون منهم حال كونهم ناظرين إليهم وإلى ما فيهم من سوء الحال فهو حال من فاعل يضحكون ﴿هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ كلام مستأنف من قبل الله أو من قبل الملائكة والاستفهام للتقرير وثوب بمعنى يثوب عبر عنه بالماضي لتحققه والتثويب والإثابة المجازاة استعمل في المكافاة بالشر.
قال الراغب : الإثابة تستعمل في المحبوب نحو فأثابهم الله بما قالوا جنات وقد قيل ذلك في المكروه نحو فأثابكم غماً بغم على الاستعارة والتثويب في القرآن لم يجيء إلا في المكروه نحو هل ثوب الخ.
انتهى وفي تاج المصادر التثويب اداش دادن وفي تهذيب المصادر التثويب ثواب دادن وفي "القاموس" التثويب التعويض انتهى.
وهو الموافق لما في التاج والمراد بما كانوا يفعلون استهزآؤهم بالمؤمنين وضحكهم منهم وهو صريح في أن ضحك المؤمنين منهم في الآخرة إنما هو جزاء لضحك الكافرين منهم في الدنيا وفيه تسلية للمؤمنين بأنه سينقلب الحال ويكون الكفار مضحوكاً منهم وتعظيم لهم فإن إهانة الأعداء تعظيم للأولياء والله ينتقم لأوليائه من أعدائهم فإنه يغضب لأوليائه كما يغضب الليث الجري لجروه ومن الله العصمة وعلم منه أن الضحك والاستهزاء والخرية والغمز من الكبائر فالحائض يها من المجرمين الملحقين بالمشركين نسأل الله السلامة.
٣٧٤
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٦٣
تفسير سورة الانشقاق
خمس وعشرون آية مكية
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٧٤