تفسير سورة التين
ثماني آيات مكية
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٦٥
﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ﴾ هما هذا التين الذي يؤكل وهذا الزيتون الذي يعصر منه الزيت خصمهما الله من بين الثمار بالإقسام بهما لاختصاصهما بخواص جليلة فإن التين فاكهة طيبة لا فضل له وغذاء لطيف سريع الهضم ودواء كثير النفع يلين الطبع ويحلل البلغم ويطهر الكليتين ويزيل ما في المثانة من الرمل ويسمن البدن ويفتح سدد الكبد والطحال وروى أبو ذر رضي اللهعنه أنه أهدى للنبي عليه السلام، سل من تين فأكل منه وقال لأصحابه كلوا فلو قلت إن فاكهة نزلت من الجنة لقلت هذا الآن فاكهة الجنة بلا عجم فكلوها فإنها تقطع البواسير وتنفع من النقرس وعن علي بن موسى الرضى رضي الله عنه، التين يزيل نكهة الفم ويطول الشعر وهو أمان من الفالج قال الامام : لما عصى آدم عليه السلام، وفارقته ثيابه تستر بورق التين ولما نزل وكان مترزاً بورق التين استوحش فطافت الظباء حوله فاستأنس بها فأطعمها بعض ورق التين فرزقها الله الجمال صورة والملاحة معنى وغير دمها مسكاً فلما تفرقت الظباء إلى مساكنها رأى غيرها عليها من الجمال ما أعجبه فلما كان الغد جاءت ظباء آخر على أثر الأول فأطعمها من الورق فغير الله حالها إلى الجمال دون المسك وذلك لأن الأولى جاءت إلى آدم لأجله لا لأجل الطمع والطائفة الأخرى جاءت إليه ظاهراً وللطمع باطناً فلا جرم غير الظاهر دون الباطن وفي أسئلة الحكم فإن قلت ما الحكمة في أن سائر الأشجار يخرج ثمرها في كمامها أو لا ثم تظهر الثمرة من الكمام ثانياً وشجرة التين أول ما يبدو ثمرها يبدو بارزاً من غير كمام قلت لأن آدم لم يستره إلا شجرة التين فقال الله بعدما سترت آدم أخرج منك المعنى قبل الدعوى وسائر الأشجار يخرج منها الدعوى قبل العنى، قال في "خريدة العجائب"، إذا نثر رماد خشب التين في البساتين هلك منه الدود ودخان التين يهرب منه البق والبعوض.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٦٦
وأما الزيتون فهو فاكهة وإدام ودواء ولو لم يكن له سوى اختصاصه بدهن كثير المنافع مع حصوله في بقاع لا دهنية فيها كالجبال لكفى به فضلاً وشجرته هي الشجرة المباركة المشهورة في التنزيل ومر معاذ بن جبل رضي الله عنه بشجرة الزيتون فأخذ منها قضيباً وساتاك به وقال سمعت النبي عليه السلام يقول نعم سواك الزيتون هو سواكي وسواك الأنبياء، من قبلي وشجرة الزيتون تعمر ثلاثة آلاف سنة ومن خواصها أنها تصبر عن الماء طويلاً كالنخل وإذا لقط ثمرتها جنب فسدت والقت حملها وانتثر ورقها وينبغي إن تغرس
٤٦٦
في المدر لكثرة اغار لأن الغبار كلما علا على زيتونها زاد دسمه ونضجه ورماد ورقها ينفع العين كحلا ويقوم مقام التوتيا وفي الحديث :"عليكم بالزيت فإنه يكشف المرة ويذهب البلغم ويشد العصب ويمنع الغشى ويحسن الخلق ويطيب النفس ويذهب الهم" قال الامام إن التين في النوم رجل خير غني فمن ناله في المنام نال ما لا وسعة ومن أكله رزقه الله أولاداً ومن أخذ ورق الزيتون في المنام استمسك بالعروة الوثقى وقال مريض لابن سيرين رأيت في المنام كأنه قيل لي كل اللاءين تشفى فقال كل الزيتون فإنه لا شرقية ولا غربية.
وقال الطبري المراد بالتين الجبل الذي عليه دمشق يعني جبل الصالحية ويسمى جبل قاسيون والزيتون وهو طورزيتا الجبل الذي يلي بيت المقدس من جهة المشرق وذلك أن التين ينبت كثيراً بدمشق والزيتون بايليا ﴿وَطُورِ سِينِينَ﴾ هو الجبل الذي ناجى عليه موسى عليه السلام ربه.
قال الماوردي : ليس كل جبل يقال له طوراً لا أن يكون فيه الأشجار والثمار وإلا فهو جبل فقط وسينين وسيناء علمان للموضع الذي هو فيه ولذلك أضيف إليهما ومعنى سينين بالسريانية ذو الشجر أو حسن مبارك بلغة الحبشة وفي "كشف الأسرار" أصل سينين سيناء بفتح السين وكسرها وإنما قال ههنا سينين لأن تاج الآيات النون كما قال في سورة الصافات سلام على الياسين وهو الياس فخرج على تاج آيات السورة ﴿وَهَاذَا الْبَلَدِ الامِينِ﴾ أي الآمن يقال أمن الرجل بضم الميم أمانة فهو أمين وهو مكة شرفها الله تعالى وأمانتها أنها تحفظ من دخلها جاهلية وإسلاماً من قتل وبى كما يحفظ الأمين ما يؤتمن عليه ويجوز أن يكون فعيلاً بمعنى مفعول بمعنى المأمون فيه على الحذف والإيصال من أمنه لأنه مأمون الغوائل والعاهات كما وصف بالأمن في قوله تعالى :﴿حَرَمًا ءَامِنًا﴾ بمعنى ذي ن وفي الحديث من مات في أحد الحرمين بعث يوم القيامة آمنا ومعنى القسم بهذه الأشياء الإبانة عن شرف البقاع المباركة وما ظهر فيها من الخير والبركة بسكنى الأنبياء والصالحين فمنبت التين والزيتون مهاجر إبراهيم ومولد عيسى ومنشأهما عليهما السلام، والطور المكان الذي نودي فيه موسى عليه السلام ومكة مكان البيت الذي هو هدى للعالمين ومولد رسول الله ومبعثه.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٦٦