تفسير سورة العلق
ثمان عشرة أو تسع عشرة آية مكية
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٦٩
﴿اقْرَأْ﴾ أي ما يوحي إليك يا محمد فإن الأمر بالقراءة يقتضي المقروء قطعاً وحيث لم يعين وجب أن يكون ذلك ما يتصل بالأمر حتماً سواء كانت السورة أول ما نزل أم لا فليس فيه تكليف ما لا يطاق سواء ذدل الأمر على الفور أم لا والأقرب أن هذا إلى قوله ما لم يعلم أول ما نزل عليه صلى الله عليه وسلّم على ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة والخلاف إنما هو في تمام السورة عن عائشة رضي الله عنها أول ما ابتدىء به رسول الله عليه السلام، من النبوة حين أراد الله به كرامته ورحمة العباد به الرؤيا الصالحة كان لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح أي كضيائه وإنارته فلا يشك فيها أحد كما لا يشك في وضوح ضياء الصبح وإنما ابتدىء عليه السلام، بالرؤيا لئلا يفجأه الملك الذي هو جبريل بالرسالة فلا تتحملها القوة البشرية لأنهما لا تحتمل رؤبة الملك وإن لم يكن على صورته الأصلية ولا على سماع صوته ولا على ما خبر به فكانت الرؤيا تأنيساً له وكانت مدة الرؤيا ستة أشهر على على ما هو أدنى الخمل ثم جاءه الملك فعبر من عالم الرؤيا إلى عالم المثال ولذا قال الصوفية إن الحاجة إلى التعبير إنما هي في مرتبة النفس الأمارة واللوامة وإذا وصل السالك إلى النفس الملهمة، كما قال تعالى :﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَااهَا﴾ قل احتياجه إلى التعبير لأنه حينئذٍ يكون ملهماً من الله تعالى فمرتبة الإلهام له كمرتبة مجيء الملك للرسول عليه اسلام، فإذا كانت مدة الرؤيا ذلك العدد يكون ابتداؤها في شهر ربيع الأول وهو مولده عليه السلام ثم أوحى إليه في اليقظة في شهر رمضان وكان عليه السلام في تلك المدة إذا خلا يسمع نداء يا محمد يا محمد ويرى نوراً أي يقظة وكان يخشى أن يكون الذي يناديه تابعاً من الجن كما ينادى الكهنة وكان في جبل حراء ار وهو الجبل الذي نادى رسول الله بقوله إلى يا رسول الله لما قال له ثبير وهو على ظهره اهبط عني يا رسول الله فإني أخاف أن تقتل على ظهري وكان عليه السلام، تعبد في
٤٧٠
ذلك الغار ليالي ثلاثاً وسبعاً وشهراً ويتزود لذلك من الكعك والزيت وذلك في تلك المدة وقبلها وأول من تعبد فيه من قريش جده عبد المطلب ثم تبعه سائر المتألهين هم أبو أمية بن المغيرة وورقة بن نوفل ونحوهما وكان ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصى بن عم خديجة رضي الله عنها وكان قد قرأ الكتب وكتب الكتاب العبري وكان شيخاً كبيراً قد عمى في أواخر عمره ثم لما بلغ عليه السلام رأى الأربعين ودخلت ليلة سبع عشرة من شهر رمضان جاءه الملك وهو في الغار كما قال الامام الصرصري رحمه الله :
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٧٠
وأتت عليه أربعون فأشرقت
شمس لنبوة منه في رمضان
قالت عائشة رضي الله عنها، جاءه الملك سحر.
يوم الاثنين فقال اقرأ قال ما أنا بقارىء قال فأخذني فغطني أي ضمني وعصرني ثم أرسلني فعله ثلاث مرات ثم قال اقرأ إلى قوله ما لم يعلم وأخذ منه القاضي شريح من التابعين إن المعلم لا يضرب الصبي على تعليم القرآن أكثر من ثلاث ضربات فخرج عليه السلام من الغار حتى إذا كان في جانب من الجبل سمع صوتاً يقول يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل ورجع إلى خديجة يرجف فؤاده فحدثها بما جرى فقالت له ابشر يا ابن عمي وأثبت فوالذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة ثم انطلقت إلى ورقة فأخبرته بذلك فقال فيه :
فإن يك حقا يا خديجة فاعلمي
حديثك إيانا فاحمد مرسل
وجبريل يأتيه وميكال معهما
من الله وحي يشرح الصدر منزل
يفوز به من فاز عزا لدينه
ويشقى به الغاوي الشقي لمضلل
فريقان منهم فرقة في جنانه
وأخرى باغلال الجحيم تغلل
كتاب تفسير روح البيان ج١٠ من ص٤٧١ حتى ص رقم٤٨


الصفحة التالية
Icon