تفسير سورة القدر
خمس أو ست آيات مكية وقيل مدنية
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٧٨
﴿إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ النون للعظمة أو للدلالة على الذات مع الصفات والأسماء والضمير للقرآن لأن شهرته تقوم مقام تصريحه اسمه وإرجاع الضمير إليه فكأنه حاضر في جميع الأذهان وعظمه بأن أسند إنزاله إلى جنابه مع أن نزوله إنما يكون بواسطة الملك وهو جبرائيل على طريقة القصر بتقديم الفاعل المعنوي إلا أنه اكتفى بذكر الأصل عن ذكر التبع قال في بعض التفاسير إنا أنزلناه مبتدأ أو خبر في الأصل بمعنى نحن أنزلناه فأدخل أن للتحقيق فاختير اتصال الضمير للتخفيف ومعنى صيغة الماضي إنا حكمنا بإنزاله في ليلة القدر وقضينا به وقدرناه في الأزل ثم إن الإنزال يستعمل في الدفعى والقرآن لم ينزل جملة واحدة بل أنزل منجماً مفرقاً في ثلاث وعشرين سنة وهذه السورة من جملة ما أنزل ووابه أن المراد أن جبرائيل نزل به جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا وأملاه على السفرة أي الملائكة الكاتبين في تلك السماء ثم كان ينزل على النبي عليه السلام منجماً على حسب المصالح وكان ابتداء تنزيله أيضاً في تلك الليلة وفيه إشارة إلى أن بيت العزة أشرف المقامات السماوية بعد اللوح المحفوظ لنزول القرآن منه إليه ولذلك قيل بفضل السماء الأولى على أخواتها لأنها مقر الوحي الرباني وقيل لشرف المكان بالمكين وكل منهما وجه فإن السلطان إنما ينزل على أنزه مكان ولو فرضنا نزوله على مسبخة لكفى نزوله هناك شرفاً لها فالمكان الشريف يزداد شرفاً بالمكين الشريف كما سبق في سورة البلد ففي نزول القرآن بالتدريج إشارة إلى تعظيم الجناب المحمدي كما تدخل الهدايا شيئاً بعد شيء على أيدي الخدام تعظيماً للمهدي إليه بعد التسوية بينه وبين موسى عليهم السلام بإنزاله جملة إلى بيت العزة وفي التدريج أيضاً تسهيل للحفظ وتثبيت لفؤاده كما قال تعالى وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لتثبت به فؤادك وكلام الله المنزل قسمان القرآن والخبر القدسي لأن جبرائيل كان ينزل بالسنة كما ينزل بالقرآن ومن هنا جاز رواية السنة بالمعنى لأن جبرائل أداها بالمعنى ولم تجز القراءة المعنى لأن جبرائيل أداها باللفظ والسر في ذلك التعبد بلفظه والإعجاز به فإنه لا يقدر أحد أن يأتي بدله بما يشتمل عليه من الإعجاز لفظاً ومن الأسرار معنى فكيف يقوم لفظ الغير ومعناه مقام حرف القرآن ومعناه ثم إن اللوح المحفوظ قلب هذا التعين
٤٧٩
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٧٩