تفسير سورة البينة
والبينة والبرية ثمان أو تسع آيات مكية
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٨٥
﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ أي اليهود والنصارى وإيراد الصلة فعلاً لما أن كفرهم حادث بعد أنبيائهم ﴿وَالْمُشْرِكِينَ﴾ أي عبدة الأصنام ومن للتبيين لا للتبعيض حتى لا يلزم أن لا يكون بعض المشركين كافرين وذلك أن الكفار كانوا جنسين أهل الكتاب كفرق اليهود والنصارى والمشركين وهم الذين كانوا لا ينسبون إلى كتاب فذكر الله الجنسين بقوله الذين كفروا على الإجمال بالتفصيل والتبيين وهو قوله من أهل الكتاب والمشركين وهو حال من الواو في كفروا أي كائنين منهم ﴿مُنفَكِّينَ﴾ خبر كان أي عما كانوا عليه من الوعيد باتباع الحق والإيمان بالرسول المبعوث في آخر الزمان والعزم على إنجازه وهذا الوعد من أهل الكتاب مما لا ريب فيه حتى أنهم كانوا يستفتحون ويقولون اللهم افتح علينا وانصرنا بالنبي المبعوث في آخرا لزمان ويقولون لأعدائهم من المشكين قد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وارم وإما من المشركين فلعله قد وقع من متأخريهم بعد ما شاع ذلك من أهل الكتاب واعتقد وأصحته بما شاهدوا من نصرتهم على أسلافهم كما يشهد به أنهم كانوا يسألونهم عن رسول الله هل هو المذكور في كتبهم وكانوا غرونهم بتغيير نعوته وانفكاك الشيء من الشيء أن يزايله بعد التحامه كالعظم إذا انفك من مفصله وفيه إشارة إلى كمال وكادة وعدهم أي لم يكونوا مفارقين للوعد المذكور بل كانوا مجمعين عليه عازمين على إنجازة ﴿حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ التي كانوا قد جعلوا إتيانها ميقاتاً لاجتماع الكلمة والاتفاق على الحق فجعلوه ميقاتاً للانفكاك والافتراق وأخلاق الوعد والتعبير عن إتيانها بالمضارع باعتبار حال المحكى لا الحكاية والبينة الحجة الواضحة ﴿رَسُولٌ﴾ بدل من البينة عبر عنه عليه السلام بها للإيذان بغاية ظهور أمره وكونه ذلك الموعود في الكتابين ﴿مِّنَ اللَّهِ﴾ متعلق بمضمر هو صفة لرسول مؤكد لما أفاده التنوين من الفخامة الذاتية
٤٨٦
بالفخامة الإضافية أي رسول وأي رسول كائن منه تعالى ﴿يَتْلُوا﴾ صفة أخرى ﴿صُحُفًا﴾ جمع صحيفة وهي ظرف المكتوب ومحله من الأوراق ﴿مُّطَهَّرَةً﴾ أي منزهة من الباطل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ومن أن يمسه غير المطهرين.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٨٦
وقال الكاشفي) : صحيفهاى اكيزه از كذب وبهبان.
ونسبة التلاوة إلى الصحف وهي القراطيس مجازية أو هي مجاز عمافيها بعلاقة الحلول والمراد أنه لما كان ما يتلوه الذي هو القرآن مصدقاً لصحف الأولين مطابقاً لها في أصولي الشرائع والأحكام صار متلوه كأنه صحف الأولين وكتبهم فعبر عنه باسم الصحف مجازاً.
(قال الكاشفي) : قرآنرا صحف كفت براي تعظيم با آنكه جامع أسرار جميع صحفست قال في "عين المعاني" وسميت الصحف لأنها أصحف بعضها على بعض أي وضع ﴿فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ﴾ صفة لصحف أي في تلك الصحف أمور مكتوبة مستيمة ناطقة بالحق والصاب وبالفارسية دران صحيفها توشتهاى راست ودرست يعني أحكام.