﴿أَفَلا يَعْلَمُ﴾ أي أيفعل ما يفعل من القبائح أو ألا يلاحظ فلا يعلم في الدنيا إن الله مجازيه ﴿إِذَا بُعْثِرَ﴾ بعث وأخرج وقد سبق في الانفطار فناصب إذا محذوف وهو مفعول يعلم لا يعلم لأن الإنسان لا يراد منه العلم في ذلك الوقت وإنما يراد منه ذلك في الدنيا ﴿مَا فِى الْقُبُورِ﴾ من الموتى وإيراد ما لكونهم إذ ذاك بمعزل عن مرتبة العقلاء ﴿وَحُصِّلَ﴾ أي جمع في الصحف أي أظهر محصلاً مجموعاً وأصل التحصيل إخراج المستور بآخر المغمور فيه وأخذه منه كإخراج اللب من القشر وإخراج الذهب من حجر المعدن والبر من التين والدهن من اللين ومن الدردى والجمع والإظهار من لوازمه ويجوز أن يكون المعنى ميز حيزه من شره ومنه قيل للمنخل المحصل أي آلة التحصيل وتمييز الدقيق من النخالة فإنه لا بد من التمييز بين الواجب والمندوب والمباح والمكروه المحظور فإن لكل واحد حكماً على حدة فتمييز البعض من البعض وتخصيص كل واحد منها بحكه اللاحق هو التخصيل وفي "القاموس" التحصيل تمييز ما يحصل والحاصل من كل شيء ما بقى وثبت وذهب ما سواه ﴿مَا فِى الصُّدُورِ﴾ من الأسرار الخفية التي من جملتها ما يخفيه المنافقون من الكفر والمعاصي فضلاً عن الأعمال الجلية فتخصيص أعمال القلب لأنه لولا البواعث والإرادات في القلوب لما حصلت أفعال الجوارح فالقلب أصل وأعمال الجوارح تابعة له ولذا قال تعالى آثم قلبه وقال عليه السلام :"يبعثون على نياتهم" ﴿إِنَّ رَبَّهُم﴾ أي المبعوثين كنى عنهم بعد الإحياء الثاني بضمير العقلاء بعد ما عبر عنهم قبل ذلك بما بناء على تفاوتهم في الحالين فحين كانوا في القبور كانوا كجمادات بلا عقل ولا علم وإن كان لهم نوع حياة فيها بخلاف وقت الحشر ﴿بِهِمُ﴾ بذواتهم وصفاتهم وأحوالهم بتفاصيلها
٤٩٨
﴿يَوْمَااِذٍ﴾ أي يوم إذ يكون ما ذكر من بعث ما في القبور وتحصيل ما في الصدور ﴿لَّخَبِيرُ﴾ أي عالم بظواهره وبواطنه علماً موجباً للجزاء متصلاً به كما ينبىء عنه تقييده بذلك اليوم وإلا فمطلق علمه سبحانه محيط بما كان وما سيكون قوله بهم ويومئذٍ متعلقان بخبير قدما عليه مراعاة للفواصل واللام غير مانعة من ذلك.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٩٦
تفسير سورة القارعة
مكية وآيها عشر أو إحدى عشرة
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٩٨
﴿الْقَارِعَةُ﴾ القرع هو الضرب بشدة واعتماد بحيث يحصل منه صوت شديد ثم سميت الحادثة العظيمة من حوادث الدهر قارعة والمراد بها ههنا القيامة التي مبدأها النفخة الأولى ومنتهاها فصل القضاء بين الخلائق سميت بها لأنها تقرع القلوب والإسماع بفنون الإفزاع والأهوال وتخرج جميع الأجرام العلوية والسفلية من حال إلى حال السماء بانشقاق والانفطار والشمس والنجوب بالتكوير والانكدار والانتثار والأرض والجبال بالدك والنسف وهي مبتدأ خبره قوله ﴿مَا الْقَارِعَةُ﴾ على أن ما الاستفهامية خبر والقارعة مبتدأ أي راي شي عجيب هي في الفخامة والفظاعة وقد وضع الظاهر موضع الضمير تأكيداً للتهويل ﴿وَمَآ أَدْرَااكَ مَا الْقَارِعَةُ﴾ ما في حيز الرفع على الابتداء وإدراك هو الخبر أي وأي شيء أعلمك ما شان القارعة فإن عظيم شأنها بحيث لا تكاد تناله دراية أحد حتى يدرك بها ولما كان هذا منبئاً عن الوعد الكريم بأعلامها أنجز ذلك بقوله ﴿يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ﴾ أي هي يوم يكون النسا على أن يوم مرفوع على إنه خبر مبتدأ محذوف وحركته الفتح لإضافته إلى الفعل وإن كان مضارعاً على ما هو رأى الكوفيين أو اذكر يوم.
الخ.
فإنه يدريك ما هي ﴿كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ﴾ جمع فراشة وهي التي تطير وتتهافت على السراج فتحترق وبالفارسية روانه.
والمبثوث المفرق وبيه شبه فراشة القفل وهو ما ينشب فيه والمبثوث بالفاسية راكنده.
والمعنى كالفراش المفرق في الكثرة والانتشار والعف والذلة والاضطراب والتطاير إلى الداعي كتطاير الفراش إلى النار قال جرير في الكثرة والانتشار والضعف والذلة والاضطراب والتطاير إلى الداعي كتطاير الفراش إلى النار قال جرير :
إن الفرزدق ما عملت وقومه
مثل الفراش عشين نار المصطلى
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٩٩
وهذا دل على كثرة الفراش ولو في بعض المواضع فسقط ما قال سعدي المفتي فيه إن الفراش لا يعرف بالكثرة بحيث يصلح أن يكون مشبهاً به لأهل المحشر فيها إلا أن يفسر بصغار الجراد أي كالجراد المنتشر حين إرادة الطيران كما قال تعالى :[القمر : ٧-٥]﴿كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ﴾ وفيه أن الفراش لم يفسر في اللغات بصغار الجراد وقال ابن الشيخ شبه الله الخلق وقت البعث في هذه الآية بالفراش المبثوث وفي الآية الأخرى بالجراد المنشر وجه التشبيه بالجراد هو الكثرة والاضطراب وبالفراش المبثوث اختلاف جهات حركاتهم فإنهم إذا بعثوا
٤٩٩