والذنب يعظم إما لعظم من في حقه الذنب أو لأنه في مقابلة النعمة العظيمة وكلا الوجهين حاصل في ذنب العبد في حق ربه فلا جرم كان ذلك الذنب في غاية العظيم ويجوز أن يكون التنوين للتنويع أي نوع من الخسران غير ما يتعارفه الناس ﴿إِلا الَّذِينَ ءَامَنُوا﴾ بالله الإيمان العلمي اليقيني وعرفوا أن لا مؤثر بالحقيقة إلا الله وبرزوا عن حجاب الدهر ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ أي اكتسبوا الفضائل
٥٠٦
والخيرات الباقية فربحوا بزيادة النور الكمال على النور الاستعدادي الذي هو رأس مالهم فإنهم في تجارة لن تبور حيث باعوا الفني الخسيس واشتروا الباقي النفيس واستبدلوا الباقيات الصالحات بالغاديات الرائحات فيا لها من صفقة ما أربحها وهذا بيان لتكميلهم لأنفسهم واستدل بعض الطوائف بالآية على أن مرتكب الكبيرة مخلد لأنه لم يستثن من الخسران إلا الذين آمنوا.
الخ والتفصي منه إن غير المستثنى في خسر لا محالة إما بالخلود إن مات كافراً وإما بالدخول في النار إن مات عاصياً لم يغفر له وإما بفوات الدرجات العالية إن غفر ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾.
الخ بيان لتكميلهم لغيرهم أي وصى بعضهم بعضاً بالأمر الثابت الذي لا سبيل إلى إنكاره ولا زوال في الدارين لمحاسن آثره وهو الخير كله من الإيمان بالله واتباع كتبه ورسله في كل عقد وعمل ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ أي عن المعاصي التي تشتاق إليها النفس بحكم الجبلة البشرية وعلى الطاعات التي يشق عليها أداؤها وعلى ما يبلو الله ب عباده وتخصيص هذا التواصي بالذكر مع اندراجه تحت التواصي بالحق لإبراز كمال الاتناء به أو لأن الأول عبارة عن رتبة العبادة التي هي فعل ما يرضى به الله تعالى والثاني عن رتبة العبودية التي هي الرضى بما فعل الله فإن المراد بالصبر ليس مجرد حبس النفس عما تشوق إليه من فعل أو ترك بل هو تلقي ما ورد منه تعالى بالجميل والرضى به ظاهراً وباطناً ولعله سبحانه إنما ذكر سبب الربح دون الخسران اكتفاء ببيان المقصود فإن المقصود بيان ما فيه الفوز بالحياة الأبدية والسعادة السرمدية وإشعاراً بأن ما عدا ما عد يؤدي إلى خسر ونقص حظ أو تكرماً فإن الإبهام في جانب الخسر كرم لأنه ترك تعداد مثالهم والإعراض عن مواجهتهم به وروى عنه عليه السلام أنه قال اقسم ربكم بآخر النهار أن أبا جهل لفي خسر إلا الذين آمنوا أي أبا بكر رضي الله عنه وعملوا الصالحات أي عمر رضي الله عنه وتواصوا بالحق أي عثمان رضي الله عنه وتواصوا بالصبر أي علياً رضي الله عنه فسرها بذلك علي بن عبد الله بن عباس رضي الله عنهم، على المنبر فيكون تكرير وتواصوا لاختلاف الفاعلين وإما على الأول فلاختلاف المفعولين وهما قوله بالحق وبالصبر روى عن الشافعي رحمه الله، أنها سورة لو لم ينزل إلى الناس إلا هي لكفتهم وهو معنى قول غيره إنها شملت جميع علوم القرآن.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥٠٥
تفسير سورة الهمزة
تسع آيات مكة
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥٠٦
﴿وَيْلٌ﴾ بالفارسية بمنى واي.
وهو مبتدأ وساغ الابتداء به مع كونه نكرة لأنه دعاء عليهم بالهلكة أو بشدة الشر خبره قوله ﴿لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ﴾ الهمز الكسر واللمز الطعن شاعاً في الكسر من إعراض الناس والطعن فيهم وفي "القاموس" الهامز والهمزة الغماز واللمزة العياب للناس أو الذي يعيبك في وجهك والهمزة من يعيبك في الغيب انتهى.
وبناء فعلة يدل على الاعتياد فلا قال ضحكة ولعنة إلا للمكثير المتعود وفي أدب الكاتب لابن
٥٠٧


الصفحة التالية
Icon