تفسير سورة الناس
ست آيات مدينة
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥٤٥
﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ أي مالك أمورهم ومربيهم بإفاضة ما يصلحهم ودفع ما يضرهم.
قال القاشاني : رب الناس هو الذات مع جميع الصفات لأن الإنسان هو الكون الجامع الحاصر لجميع مراتبا لوجود فربه الذي أوجده وأفاض عليه كماله هو الذات باعتبار جميع لأسماء الجمالية والجلالية تعوذ بوجهه بعد ما تعوذ بصفاته ولهذا تأخرت هذه الصورة عن المعوذة الأولى إذ فيها تعوذ في مقام الصفات باسمه الهادي فهداه إلى ذاته وفي الحديث :"أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك" ابتدأ بالتعوذ بالرضى الذي هو من الصفات لقرب الصفات من الذات ثم استعاذ بالمعافاة التي هي من صفات الأفعال ثم لما ازداد يقيناً ترك الصفات فقال وأعوذ بك منك قاصراً نظره على الذات وابتدأ بعض العلماء في ذكر هذا الحديث بتقديم الاستعاذة بالمعافاة على التعوذ بالرضى للترقي من الأدنى الذي هو من صفات الأفعال إلى الأعلى الذي هو صفات الذات قال بعضهم : من بقى له التفات إلى غير الله استعاذ بأفعال الله وصفاته فأما من توغل في بحر التوحيد بحيث لا يرى في الوجود إلا الله لم يستعذ إلا بالله ولم يلتجىء إلا إلى الله والنبي عليه السلام، لما ترقى عن هذا المقام وهو المقام الأول قال أعوذ بك منك.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥٤٦
يقول الفقير : ففي الالتجاء إلى الله في هذه السورة دلالة على ختم الأمر فإن الله تعالى هو الأول الآخر وإليه يرجع الأمر كله وإن إلى ربك المتهى وفيه إشارة إلى نسيان العهد السابق الواقع يوم الميثاق فإن الإنسان لو لم ينسه لما احتاج إلى العود والرجوع بل كان في كنف الله تعالى دائماً ﴿مَلِكِ النَّاسِ﴾ عطف بيان جيء به لبيان إن تربيته تعالى إياهم ليست بطريق تربية سائر الملاك لما تحت أيديهم من مماليكهم بل بطريق الملك الكامل والتصرف الشامل والسلطان القاهر فما ذكروه في ترجيح المالك على الملك من أن المالك مالك العبد وإنه مطق التصرف فيه بخلاف الملك فإنه إنما يملك بقهر وسياسة ومن بعض الوجوه فقياس لا يصح ولا يطرد إلا في المخلوقين لا في الحق فإنه من الين إنه مطلق التصرف وإنه يملك من جميع الوجوه فلا يقاس ملكية غيره عليه ولا تضاف النعوت والأسماء إليه إلا من حيث أكمل مفهوماته ومن وجوه ترجيح الملك على المالك إن الأحاديث النبوية مبينات لأسرار القرآن ومنبهات عليها وقد ورد في الحديث في بعض الأدعية النبوية
٥٤٦