ولما ظهر الخوض في صفات الله تعالى، وفي كلام الله خاصة، من قبل الزنادقة، وفرق المبتدعة، احتاج أهل السُّنَّة إلى تعريف القرآن تعريفًا يظهرون فيه معتقدهم في صفات الله تعالى عامة، وفي صفة الكلام خاصة، ومنه القرآن، مخالفين بذلك أهل البدع من الجهمية(١) والمعتزلة (٢) وغيرهم.
قال أبو جعفر الطحاوى (٣)-رحمه الله -: (وإن القرآن كلام الله، منه بدا بلا كيفية قولاً، وأنزله على رسوله وحيًا، وصدقه المؤمنون على ذلك حقًا، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة، ليس بمخلوق ككلام البرية، فمن سمعه، فزعم أنه كلام البشر فقد كفر)(٤).
الباب الأول : أنواع التمكين في القرآن الكريم
تمهيد
قال تعالى:﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ﴾[غافر: ٥١].
وقال سبحانه: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم: ٤٧]. وقال تعالى: ﴿إِن تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ﴾ [محمد: ٧]. وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ - إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ - وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [الصافات: ١٧١- ١٧٣].
إن هذه الآيات وأمثالها تشير إلى نصر الله وإعزاز أهل الإيمان ممن يحرصون على الدعوة ويتحملون المشاق في سبيلها سواء كان الداعية رسولاً كريمًا أو أحد المؤمنين، وهذا الإعزاز والانتصار والتمكين يكون في الحياة الدنيا قبل الآخرة.

(١) هم أتباع جهم بن صفوان الخراساني توفى عام ١٢٨هـ انظر: سير أعلام النبلاء (٦/٢٦).
(٢) أتباع واصل بن عطاء وهم يقولون بخلق القرآن وغير ذلك من البدع، والملل والنحل (١/٤٣).
(٣) هو أحمد بن سلامة الأزدي المصري من صعيد مصر توفى عام ٣٢١هـ. انظر: البداية والنهاية (١١/١٧٤).
(٤) شرح الطحاوية (ص ١٢١، ١٢٢).


الصفحة التالية
Icon