متن، ص : ١٥٨
ومن السورة التي يذكر فيها «هود» عليه السلام
[سورة هود (١١) : آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١)
قوله تعالى : الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [١] وهذه استعارة. لأن آيات القرآن لما ورد فى بعضها ذكر الحلال والحرام، واستمرت على ذلك بين وعد مقدم، ووعيد مؤخر، ونذارة مبتدأ بها، وبشارة معقب بذكرها شبه القرآن - لذلك - بالعظائم المفصلة، التي توافق فيها بين الأشكال تارة، وتؤلف بين الأضداد تارة ليكون ذلك أحسن فى التنضيد، وأبلغ فى الترصيف. وهذه من بدائع الاستعارات.
[سورة هود (١١) : آية ٥]
أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٥)
وقوله سبحانه : أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ، أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ [٥] وهذه استعارة. لأن حقيقة الشيء لا تتأتى فى الصدور. والمراد بذلك - واللّه أعلم - أنهم يثنون صدورهم على عداوة اللّه ورسوله، صلّى اللّه عليه وآله. وذلك كما يقول القائل : هذا الأمر فى طىّ ضميرى. أي قد اشتمل عليه قلبى. فيكون قوله تعالى : يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ بمنزلة قوله يطوون صدورهم.
ولفظ يثنون أعذب استماعا وأحسن مجازا.
وقيل أيضا : بل معنى ذلك أن المنافقين كانوا إذا اجتمعوا تخافتوا بينهم فى الكلام، وحنوا ظهورهم تطامنا عند الحوار، خوفا من رمق العيون، ومراجم الظنون، لوقوع ما يتفاوضونه فى أسماع المسلمين. فإذا انحنت ظهورهم، انثنت صدورهم. فأعلمنا اللّه سبحانه أنهم وإن أغلقوا أبوابهم، وأسدلوا ستورهم، واستغشوا ثيابهم - بمعنى اشتملوا بها، وبمعنى أدخلوا رءوسهم فيها على ما قاله بعضهم - فأنه تعالى يعلم غيب صدورهم، ودخائل


الصفحة التالية
Icon