متن، ص : ١٩٠
ومن السورة التي يذكر فيها «النّحل»
[سورة النحل (١٦) : آية ٢]
يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ (٢)
قوله سبحانه : يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ [٢] وهذه استعارة. لأن المراد بالروح هاهنا الوحى الذي يتضمن إحياء الخلق والبيان عن الحق. ومثل ذلك قوله سبحانه : وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا «١» ومثله قوله سبحانه فى المسيح عليه السلام : إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ «٢» فسماه تعالى روحا على هذا المعنى، لأن به حيا «٣» أمته، وبقاء شريعته. وقد مضى معنى ذلك فيما تقدم من هذا الكتاب.
فأما قوله سبحانه : وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ «٤» فإنما أراد بذلك الروح التي خلقها ليحيى عباده بها، وأضافها إلى نفسه كما أضاف الأرض إلى نفسه، إذ يقول تعالى : أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها «٥».
وكان شيخنا أبو الفتح عثمان بن «٦» جنىّ رحمه اللّه يقول : معنى قولهم فى القسم :
لعمر اللّه ما قلت ذلك، ولأفعلن ذلك. إنما يريدون به القسم بحياة يحيى اللّه بها، لا حياة يحيى بها، تعالى عن ذلك علوا كبيرا. فكان المقسم إذا أقسم بهذه الحياة دخل ما يخصه منها فى جملة قسمه، وجرى ذلك مجرى قوله : لعمرى. فيصير مقسما بحياته التي أحياه اللّه بها.
(٢) سورة. النساء الآية رقم ١٧١.
(٣) هكذا بالأصل. ولعلها «حياة» أو «إحياء».
(٤) فى الأصل : فنفخ بالفاء، وصحة الآية : ونفخ بالواو. سورة السجدة آية رقم ٩.
(٥) سورة النساء. الآية رقم ٩٧.
(٦) تقدمت ترجمته فى مجازات سورة التوبة.