متن، ص : ٢٤٨
ومن السورة التي يذكر فيها «الفرقان»
[سورة الفرقان (٢٥) : آية ١٢]
إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (١٢)
قوله تعالى : إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً [١٢] وفى هذه الآية استعارتان. إحداهما قوله سبحانه : إِذا رَأَتْهُمْ وهو فى صفة نار جهنم، نعوذ باللّه منها، ولا تصحّ صفة الرّؤية عليها. وإنما المراد - واللّه أعلم - إذا كانت منهم بمقدار مسافة لو كان بها من يوصف بالرؤية لرآهم. وهذا من لطائف التأويل، وغرائب التفسير.
وقد يجوز أيضا أن يكون معنى ذلك : إذا قربت منهم، وظهرت لهم. من قولهم :
دور بنى فلان تتراءى. أي تتقارب. وفى الحديث : لا تتراءى نارا هما «١» أي لا تتدانى.
والاستعارة الأخرى قوله سبحانه : سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً وهاتان الصفتان من صفات الحيوان، ويختص التغيظ بالإنسان، لأن الغيظ من أعلى منازل الغضب، والغضب

(١) الحديث بأكمله فى «صحيح أبى داود» الجزء الأول. باب على ما يقال المشركون، كتاب الجهاد. ص ٢٦١ ونصه :(حدثنا هناد بن السرى ثنا أبو معاوية عن إسماعيل عن قيس عن جرير بن عبد اللّه. قال : بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم سرية إلى خثعم فاعتصم ناس منهم بالسجود، فأسرع فيهم القتل قال : فبلغ ذلك النبي صلّى اللّه عليه وسلم، فأمر لهم بنصف العقل، وقال : أنا برىء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، قالوا يا رسول اللّه لم ؟ قال : لا تراءى ناراهما) وفى سنن النسائي ج ٢ ص ٢٤٥ جاء هذا الحديث فى باب القود بغير حديدة. كتاب القسامة. وقد أورد المؤلف هذا الحديث فى كتابه «المجازات النبوية» وتحدث عما فيه من مجاز حديثا رائعا.
صفحة ٢٠٠ من المجازات النبوية. طبعة القاهرة سنة ١٣٥٦ سنة ١٩٣٧، وجاء هذا الحديث فى «لسان العرب» وفسره صاحب اللسان ثم قال : وقال أبو عبيد : معنى الحديث أن المسلم لا يحل له أن يسكن بلاد المشركين، فيكون معهم بقدر ما يرى كل واحد منهم نار صاحبه.


الصفحة التالية
Icon