متن، ص : ٣٣١
ومن السورة التي يذكر فيها «الامتحان»
«١»
[سورة الممتحنة (٦٠) : الآيات ١ الى ٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (٢)
قوله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ [١] وهذه استعارة على أحد التأويلين، وهو أن يكون المعنى : تلقون إليهم بالمودة ليتمسّكوا «٢» بها منكم. كما يقول القائل : ألقيت إلى فلان بالحبل ليتعلق به، وسواء قال : ألقيت بالحبل، أو ألقيت الحبل. وكذلك لو قال : ألقيت إلى فلان بالمودة، أو ألقيت إليه المودة. وكذلك قولهم : رميت إليه بما فى نفسى، وما فى نفسى، بمعنى واحد.
وقال الكسائي : تقول العرب : ألقه من يدك وألق به من يدك، واطرحه من يدك، واطرح به من يدك، كلام عربى صحيح. وقد قيل : إن فى الكلام مفعولا محذوفا، فكأنه تعالى قال : تلقون إليهم أسرار النبي صلّى اللّه عليه وسلم بالمودة التي بينكم. وهذه الآية نزلت فى قوم من المسلمين، كانوا يخالّون قوما من المنافقين، فيتسقّطونهم أسرار النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، استزلالا لهم، واستغمارا لعقولهم.
وقوله سبحانه : وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ [٢] وهذه استعارة.
لأن بسط الألسن على الحقيقة لا يتأتّى كما يتأتّى بسط الأيدى، وإنما المراد إظهار الكلام السيّء فيهم بعد زمّ الألسن عنهم، فيكون الكلام كالشىء الذي بسط بعد انطوائه، وأظهر بعد إخفائه.
وقد يجوز أيضا أن يكون تعالى إنما حمل بسط الألسن على بسط الأيدى، ليتوافق الكلام، ويتزاوج النظام، لأن الأيدى والألسن مشتركة فى المعنى المشار إليه، فللأيدى الأفعال وللألسن الأقوال. وتلك ضررها بالإيقاع، وهذه ضررها بالسّماع.
(١) هى سورة الممتحنة.
(٢) فى الأصل «ليتسمكوا» وهو تحريف من الناسخ.


الصفحة التالية
Icon