متن، ص : ٣٤٧
ومن السورة التي يذكر فيها «نوح» عليه السلام
[سورة نوح (٧١) : آية ١٣]
ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (١٣)
قوله سبحانه : ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً [١٣] وهذه استعارة. لأن الوقار هاهنا وضع وضع الحلم مجازا. يقال : رجل وقور. بمعنى حليم.
فأما حقيقة الوقار الذي هو الرزانة والثقل فلا يجوز أن يوصف بها القديم سبحانه، لأنها من صفات الأجسام، وإنما يجوز وصفه تعالى بالوقار، على معنى الحلم كما ذكرنا.
والمعنى أنه يؤخر عقاب المذنبين مع الاستحقاق، إمهالا للتوبة، وإنظارا للفيئة والرجعة.
لأن الحليم فى الشاهد اسم لمن يترك الانتقام عن قدرة. ولا يسمى غير القادر إذا ترك الانتقام حليما، للعلّة التي ذكرناها. وقوله تعالى : لا تَرْجُونَ هاهنا أي لا تخافون. فكأنه سبحانه قال : ما لكم لا تخافون للّه حلما ؟ وإنما أخّر عقوبتكم، إمهالا لكم، وإيجابا للحجة عليكم.
وإلّا فعقابه من ورائكم، وانتقامه قريب منكم.
وقد جاء فى شعر العرب لفظ الرجاء، والمراد به الخوف. ولا يرد ذلك إلا وفى الكلام حرف نفى. لا يقال : فلان لا يرجو فلانا بمعنى يخافه، بل يقال : فلان لا يرجو فلانا. أي لا يخافه. وقال الهذلي أبو ذؤيب «١» :
إذا لسعته الدّبر «٢» لم يرج لسعها وحالفها فى بيت نوب عواسل «٣»
أراد : لم يخف لسعها.
(٢) الدبر : جماعة النحل والواحدة دبرة.
(٣) فى الأصل «عوامل» والتصويب عن «ديوان الهذليين» ورواية ابن قتيبة فى «تأويل مشكل القرآن» عوامل بالميم كما فى الأصل. ص ١٤٧.