العظيم وصاحب تلك المواقف المتواضعة بإزاء القرآن. ما كان ينبغي لأحد أن يكترى في صدقه حينما أعلن عن نفسه أنه ليس هو واضع ذلك الكتاب وأن منزلته منه منزلة المتعلم المستفيد. بل كان يجب أن نسجل من هذا الاعتراف البريء دليلا آخر على صراحته وتواضعه.
[ المرحلة الأولى من البحث : بيان أن القرآن لا يمكن أن يكون إيحاءا ذاتيا من نفس محمد ﷺ ]
على أن الأمر أمامنا أوضح من أن يحتاج إلى سماع هذا الاعتراف القولي منه أو يتوقف على دراسة تلك الناحية الحلقية من تاريخه.
أليس يكفي للحكم ببراءة الإنسان من عمل من الأعمال أن يقوم من طبيعة شاهد بعجزه المادي عن إنتاج ذلك العمل.
فلينظر العاقل : هل كان هذا النبي الأمي صلوات الله عليه أهلا بمقتضى وساءله العلمية الآن تجيش نفسه بتلك المعاني القرآنية ؟
سيقول الجهلاء من الملحدين : نعم، فقد كان له من ذكائه الفطري وبصيرته النافذة ما يوه له لإدراك الحق والباطل من لآراء والحسن والقبيح من الأخلاق. والخير والشر من الأفعال. حي لو أن شيئا في سماء تناله الفراسة أو تلهمه الفطرة أو توحي به الفكرة لتنوله محمد بفطرته السلمية، وعقله الكامل وتأملاته الصادقة.
ونحن قد نؤمن بأكثر مما وصفوا من شمائله. ولكننا نسأل : هل كل ما في القرآن مما يستنبطه العقل والتفكير، ومما يدركه الوجدان والشعور ؟ اللهم كلا.
[ طبيعة المعانى القرآنية ليست مما يدرك بالذكاء وصدق الفراسة :
أ ـ أنباء الماضى لا سبيل إليها إلا بالتلقى والدراسة ]
ففي القرآن جانب كبير من المعاني النقلية البحته التي لا مجال فيها للذكاء و الاستنباط. ولا سبيل إلي علمها لمن غاب عنها إلا بالدراسة و التلقي والتعلم. ماذا يقولون فيما قصة علينا القرآن من انباء ما قد سبق و ما فصله من تلك الانباء على وجهه الصحيح كما وقع ؟ أم يخرجون الى المكابرة العظمى فيقولون أن محمد قد عاصر تلك الأمم الخالية، وتنقل