[ المرحلة الثانية من البحث : بيان أن محمدا ﷺ لابد أن يكون أخذ القرآن عن معلم والبحث فى الأوساط البشرية عن ذلك المعلم ]

لا مناص إذا للباحث عن مصدر القرآن من توسيع دائرة بحثه فإذا لم يظفر بمطلبه عند صاحب القرآن في ناحية عقله وفراسته، وجب أن يلتمسه - وان يظفر به حتما - في ناحية تعليمه ودراسته، لان المتكلم بكلام ما لا يعدو أن يكون قائلا له أو ناقلا. ولا ثالث لهما.
نعم إن صاحب هذا القرآن لم يكن ممن يرجع بنفسه الى كتب العلم ودواوينه، لأنه باعتراف الخصوم كما ولد أميا نشا أميا وعاش أميا فما كان يوما من الأيام يتلو كتابا في قرطاس ولا يخطه بيمينه. فلا بد له من معلم يكون قد وقفه على هذه المعاني لا بطريق الكتابة والتدوين بل بطريق الإملاء والتلقين. هذا هو حكم المنطق.
سنقول : فمن هو ذلك المعلم ؟
نقول : هذا هو الشطر الثاني من مسألة القرآن.
وأنت إذا تأملت فيما سقناه لك من البراهين على الشطر الأول وجدت بجانب كل منها برهانا آخر على هذا الشطر الثاني وعرفت من هو ذلك المعلم ؟ غير أننا نحب أن نزيدك به معرفة حتى تقول معنا فيه :(( ما هذا بشرا، إن هذا إلا ملك كريم، مبلغ عن رب العالمين )).
أما أن محمدا صلى الله عليه و على اله وسلم لم يكن له معلم من قومه الأميين فذلك ما لا شبهة فيه لأحد ولا في حاجة إلى الاستدلال عليه بأكثر من اسم " الأمية " الذي يشهد عليهم بأنهم كانوا خرجوا من يعلون أمهاتهم لا يعلمون من أمر الدين شيئا. وكذلك اسم " الجاهلية " الذي كان أخص الألقاب بعصر العرب قبل الإسلام فهؤلاء الذين فقدوا أساس العلم في أنفسهم حتى اشتق لهم من الجهل اسم، كيف يحملون وسام التعليم فيه لغيرهم، بله التعليم لمعلمهم الذي وسمهم بالجهل غير مرة في كتابه، وسرد جهالاتهم في غير سورة من هذا الكتاب، حتى قيل : اذا


الصفحة التالية
Icon