فذلك مثل حامل الوحي ومتلقيه عليهما السلام هذا بشر مطواع ذو روح صاف يقبل انطباع العلوم فيه وذاك ملك شديد القوى ذو مرة يحمل إليه رسالته ويقرئها إياه فلا ينسى إلا ما شاء الله بيد أن بعدا شاسعا بين هذا الوحي النبوي وحي الناس بعضهم لبعض فالناس كما عرفت قد يوحون زخرف القول غرورا وكثيرا ما يترك وحيهم في نفس متلقيه أعراضا عقلية أو بدنية يصعب علاجها فأين هذا من الوحي بين رسولين مؤيدين اصطفاهما الله لرسالته رسول من الملائكة ورسول من الناس فأما السول الملكي فإنه كما علمت لا يوحي إلا الحق ولا يأمر إلا بالخير وأما الرسول البشري فإنه لا يزال من بعد كما كان من قبل ثابت الفؤاد كامل العقل قوي النفس والبدن الله أعلم حيث يجعل رسالته سورة الأنعام.
[ المرحلة الرابعة من البحث : البحث فى جوهر القرآن نفسه عن حقيقة مصدره ]
وبعد فإننا في هذا المنهج الذي سلكناه من أول البحث إلى هذا الحد لم نرد أن نعرض للقرآن في جوهره بل كان قصارى ما صنعناه أنا درسنا الطريق التي جاء منها فما وجدنا في اعترافات صاحبه ولا في حياته الخلقية ولا في وسائله وصلاته العلمية ولا في سائر الظروف العامة أو الخاصة التي ظهر فيها القرآن إلا شواهد ناطقة بأن هذا القرآن ليس له على ظهر الأرض أب ننسبه إليه من دون الله وتلك كلها دراسات خارجية إنما يسلكها رجل وقف معنا على طرف