فَصْل
فهاهنا ثلاثة أشياء :
أحدها : الظن الراجح في نفس المستدل المجتهد.
والثاني : الأدلة ـ التي يسميها بعض المتكلمين أمارات ـ التي تعارضت، وعلم المستدل بأن التي أوجبت ذلك الظن أقوى من غيرها.
الثالث : أنه قد يكون في نفس الأمر دليل آخر على القول الآخر لم يعلم به المستدل، وهذا هو الواقع في عامة موارد الاجتهاد؛ فإن الرجل قد يسمع نصًا عامًا، كما سمع ابن عمر وغيره أن النبي ﷺ نهى عن قطع الخفين، وأنه أمر ألا يخرج أحد حتى يودع البيت، أو أن النبي ﷺ نهى عن لبس الحرير وظاهره العموم، وهذا راجح على الاستصحاب النافي للتحريم، فعملوا بهذا الراجح، وهم يعلمون قطعًا أن النهي أولى من الاستصحاب، لكن يجوز أن يكون مع الاستصحاب دليل خاص، ولكن لما لم يعلموه لم يجزلهم أن يعدلوا عما علموه إلى ما لم يعلموه، فكانوا يفتون بأن الحائض عليها الوداع، وعليها قطع الخفين، وأن قليل الحرير وكثيره حرام. وابن الزبير كان يحرمه على الرجال والنساء؛ لعموم قوله :( من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ).