فَصْل
والجهمية والمعتزلة مشتركون في نفي الصفات، وابن كلاب ومن تبعه- كالأشعري وأبي العباس القلانسي ومن تبعهم - أثبتوا الصفات، لكن لم يثبتوا الصفات الاختيارية مثل كونه يتكلم بمشيئته، ومثل كون فعله الاختياري يقوم بذاته، ومثل كونه يحب ويرضى عن المؤمنين بعد إيمانهم، ويغضب ويبغض الكافرين بعد كفرهم، ومثل كونه يرى أفعال العباد بعد أن يعملوها، كما قال تعالى :﴿ وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ [ التوبة : ١٠٥ ]، فأثبت رؤية مستقبلة، وكذلك قوله تعالى :﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ [ يونس : ١٤ ] ومثل كونه نادى موسى حين أتى، لم يناده قبل ذلك بنداء قام بذاته، فإن المعتزلة والجهمية يقولون : خلق نداء في الهواء. والكلابية والسالمية يقولون : النداء قام بذاته وهو قديم، لكن سمعه موسى، فاستجدوا سماع موسى، وإلا فما زال عندهم مناديًا.
والقرآن والأحاديث وأقوال السلف والأئمة كلها تخالف هذا وهذا، وتبين أنه ناداه حين جاء، وأنه يتكلم بمشيئته في وقت بكلام معين، كما قال :﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ ﴾ [ الأعراف : ١١ ]، وقال تعالى :﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ [ آل عمران : ٥٩ ].