وسُئِلَ شَيخُ الإِسْلام ـ قَدسَ اللَّه روحه ـ عن طائفة من المتفقرة يدعون أن للقرآن باطنا، وأن لذلك الباطن باطنًا إلى سبعة أبطن، ويروون في ذلك حديثًا أن النبي ﷺ قال :( للقرآن باطن، وللباطن باطن إلى سبعة أبطن )، ويفسرون القرآن بغير المعروف عن الصحابة والتابعين والأئمة من الفقهاء، ويزعمون أن عليًا قال : لو شئت لأوقرت من تفسير فاتحة الكتاب كذا وكذا حمل جمل، ويقولون : إنما هو من علمنا إذ هو اللّدُنِّي.
ويقولون كلامًا، معناه : أن رسول اللّه ﷺ خص كل قوم بما يصلح لهم، فإنه أمر قومًا بالإمساك، وقومًا بالإنفاق، وقومًا بالكسب، وقومًا بترك الكسب. ويقولون : إن هذا ذكرته أشياخنا في [ العوارف ] وغيره من كتب المحققين، وربما ذكروا أن حذيفة كان يعلم أسماء المنافقين، خصه بذلك رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وبحديث أبي هريرة :( حفظت جِرَابين ).
ويروون كلامًا عن أبي سعيد الخراز أنه قال : للعارفين خزائن أودعوها علومًا غريبة يتكلمون فيها بلسان الأبدية، يخبرون عنها بلسان الأزلية، ويقولون : إن رسول اللّه ﷺ قال :( إن من العلم كهيئة المخزون لا يعلمه إلا العلماء باللّه، فإذا نطقوا به لم ينكره إلا أهل الغِرَّة باللّه ) [ وقوله : أهل الغِرَّة ـ أى أهل الغفلة ]. فهل ما ادعوه صحيحًا أم لا ؟
فسيدي يبين لنا مقالاتهم؛ فإن المملوك وقف على كلام لبعض العلماء ذكر فيه أن الواحدي قال : ألف أبو عبد الرحمن السلمي كتابًا سماه [ حقائق التفسير ] إن صح عنه فقد كفر، ووقفت على هذا الكتاب فوجدت كلام هذه الطائفة منه أو ما شابهه، فما رأى سيدي في ذلك ؟ وهل صح عن النبي ﷺ أنه قال :[ للقرآن باطن ] الحديث يفسرونه على ما يرونه من أذواقهم ومواجيدهم المردودة شرعًا ؟ أفتونا مأجورين.
فأجابَ الشيخ ـ رضي اللّه عنه :
الحمد للّه رب العالمين. أما الحديث المذكور، فمن الأحاديث المختلقة التي لم يروها أحد من أهل العلم، ولا يوجد في شىء من كتب الحديث؛ ولكن يروى عن الحسن البصري موقوفًا أو مرسلاً :( أن لكل آية ظهرًا وبطنًا وحدّا ومَطْلَعًا ) وقد شاع في كلام كثير من الناس :[ علم الظاهر، وعلم الباطن ]، و [ أهل الظاهر، وأهل الباطن ]. ودخل في هذه العبارات حق وباطل.
وقد بسط هذا في غير هذا الموضع؛ لكن نذكر هنا جملا من ذلك فنقول :