سورة آل عمران
وَقالَ شيخ الإسلام أبو العباس تقى الدين ابن تيمية ـ قدس اللّه روحه ونور ضريحه :

فصل


فى قوله تعالى :﴿ شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ ﴾ [ آل عمران : ١٨، ١٩ ]، قد تنوعت عبارات المفسرين فى لفظ ﴿ شّهٌد ﴾ فقالت طائفة ـ منهم مجاهد والفراء وأبو عبيدة ـ : أى : حكم وقضى. وقالت طائفة ـ منهم ثعلب والزجاج ـ : أى : بين. وقالت طائفة : أى : أعلم. وكذلك قالت طائفة : معنى شهادة اللّه : الإخبار والإعلام، ومعنى شهادة الملائكة والمؤمنين : الإقرار. وعن ابن عباس أنه شهد بنفسه لنفسه قبل أن يخلق الخلق حين كان، ولم يكن سماء ولا أرض، ولا بر ولا بحر، فقال :﴿ شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ﴾.
وكل هذه الأقوال وما فى معناها صحيحة؛ وذلك أن الشهادة تتضمن كلام الشاهد وقوله وخبره عما شهد به، وهذا قد يكون مع أن الشاهد نفسه يتكلم بذلك ويقوله ويذكره، وإن لم يكن معلماًً به لغيره، ولا مخبراً به لسواه. فهذه أول مراتب الشهادة.
ثم قد يخبره ويعلمه بذلك، فتكون الشهادة إعلاماً لغيره وإخباراً له، ومن أخبر غيره بشىء فقد شهد به. سواء كان بلفظ الشهادة أو لم يكن، كما فى قوله تعالى :﴿ وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ﴾ [ الزخرف : ١٩ ]، وقوله تعالى :﴿ وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا ﴾ الآية [ يوسف : ٨١ ]. ففى كلا الموضعين إنما أخبروا خبراً مجرداً، وقد قال :﴿ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ﴾ [ الحج : ٣٠، ٣١ ].


الصفحة التالية
Icon